الاحتفاء الأمريكى بالهند.. فتش عن الصين! - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الإثنين 3 يونيو 2024 8:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاحتفاء الأمريكى بالهند.. فتش عن الصين!

نشر فى : الجمعة 23 يونيو 2023 - 8:15 م | آخر تحديث : الجمعة 23 يونيو 2023 - 8:15 م

بدأ رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى زيارة دولة رسمية للولايات المتحدة الأمريكية قبل يومين حيث استقبله الرئيس الأمريكى لمباحثات واسعة، وألقى خطابا أمام جلسة مشتركة لمجلسى النواب والشيوخ فى الكونجرس، كما التقى مع ممثلين لعديد الصناعات العسكرية والتكنولوجية ولمراكز علوم الفضاء والبنوك والمصالح الاستثمارية وكذلك لبعض جمعيات الأمريكيين ذوى الأصول الهندية. وللاحتفاء الأمريكى، بشقيه السياسى الرسمى والاقتصادى ــ التجارى، برئيس الوزراء مودى العديد من الأسباب التى تدفع مجتمعة الولايات المتحدة للعمل على جعل الهند حليفا وشريكا استراتيجيا يرتقى التعاون معه على نحو يتشابه فى شموله واستقراره مع التعاون الأمريكى ــ الأوروبى.
السبب الأول هو الصين التى تريد الولايات المتحدة احتواءها جيو ــ سياسيا وعسكريا وتكنولوجيا واقتصاديا وترى فى الهند قوة آسيوية صاعدة تستطيع أن تساعدها على ذلك. فى آسيا وفى منطقة المحيطين الهادى والهندى، تتخوف واشنطن من هيمنة بكين التى لم تعد فقط قوة عملاقة اقتصاديا وتجاريا، بل صارت إمكاناتها العسكرية والتكنولوجية تتطور بسرعة وحضورها الجيو ــ سياسى يتسع دون هوادة. وعلى الرغم من أن الجانب الأمريكى يعمل آسيويا فى سياق تحالف استراتيجى عميق مع اليابان وأستراليا ونيوزيلندا ويعول على الانتشار الكثيف لقواعده العسكرية ومصالحه الاقتصادية والتجارية، إلا أنه يدرك أن احتواء الصين ليس له أن يتم بعيدا عن تمكين الهند من تطوير قدراتها الشاملة ودفعها إلى العمل مع الولايات المتحدة وأوروبا تارة لكى تصير مصنع العالم الجديد وأخرى لكى تصبح مصدر التكنولوجيا المتطورة وثالثة لكى تشترك بجيشها وبحريتها فى احتواء النفوذ الصينى.
وللاقتراب من هذا الهدف، تطور الولايات المتحدة تعاونها العسكرى والتكنولوجى مع الهند بإلغاء العدد الأكبر من القيود التى كانت مفروضة على صادرات السلاح والتكنولوجيا المتطورة، توقع العديد من اتفاقيات التعاون الثنائية ومذكرات التفاهم لتشجيع العمل المشترك فى مجال التكنولوجيا (أشباه المحولات) وعلوم الفضاء واستخداماتها (مبادرة التكنولوجيا الضرورية والصاعدة)، تخلق العديد من أطر التنسيق الحكومى بين الطرفين إن على مستوى مجالس الأمن القومى أو على مستوى الوزارات الأساسية كالدفاع والتجارة، تشجع الهند على المشاركة فى المناورات العسكرية التى تقودها الولايات المتحدة ومعها حلفاء كاليابان وأستراليا فى القارة الآسيوية وتقترح العديد من صيغ التعاون العسكرى نظير رفع معدلات تسليح وتحديث الجيش الهندى.
غير أن واشنطن وفى سعيها لاجتذاب نيودلهى إلى معسكر مواجهة بكين تواجه تخوفات مشروعة لدى صناع القرار هناك. أبرز تلك التخوفات هو أن القرب الجغرافى بين العملاقين الآسيويين يعرض الأمن القومى للهند لتحديات بالغة إن هى تورطت فى مواجهة مفتوحة مع الصين التى تمتلك بحسابات اليوم وفى المقارنة المباشرة قدرات عسكرية وتكنولوجية أكثر تفوقا. على عكس الهند، تستطيع الولايات المتحدة أن تتورط فى مواجهة مفتوحة مع الصين بقلق أقل، فهى الأكثر قوة وتطورا عالميا وتظل أراضيها بعيدة جغرافيا عن الصين وتهديداتها المحتملة.
تخوف آخر مشروع هو الماضى السياسى لتحالفات القوى الفاعلة فى القارة الآسيوية الذى شهد تحالفا أمريكيا وغربيا مع المنافس الإقليمى المباشر للهند، باكستان، فى مقابل علاقات صينية متوازنة مع جارتيها. هنا يتخوف صناع القرار فى نيودلهى من تقلبات واشنطن وتحولات التفضيلات الاستراتيجية لنخبها (فى السياسة كما فى الاقتصاد)، ولا يريدون المخاطرة بمواجهة مفتوحة مع بكين يدفع إليها اليوم الجانب الأمريكى الذى قد يستبدلها بسياسة أخرى فى المستقبل. لذلك، تتحفظ الهند على أحاديث ومبادرات وسياسات احتواء الصين، وترفض الانسياق وراء التصعيد الأمريكى الراهن، وتواصل الفعل المتوازن فى سياقات آسيوية متنوعة بعضها به الولايات المتحدة وحلفاؤها والبعض الآخر به الصين وحلفاؤها. نعم تستفيد القدرات الهندية العسكرية والتكنولوجية والصناعية من عروض التعاون الأمريكية والأوروبية وينمو الاقتصاد بمعدلات غير مسبوقة ويرى صناع القرار الهنود فى التحالف مع الولايات المتحدة فوائد عظمى، إلا أن العديد من المحاذير والخطوط الحمراء تباعد بينهم وبين التورط فى مواجهة مع الصين بضغوط أمريكية وأوروبية.
• • •
السبب الثانى للاحتفاء الأمريكى برئيس الوزراء الهندى مودى فهو اشتداد ساعد التحالف الاستراتيجى الشامل بين الصين وروسيا (والطرفان أعلنا مؤخرا شراكة غير محدودة خلال زيارة الرئيس الصينى لنظيره الروسى) وقلق الولايات المتحدة من خطر اقتراب الهند من القوتين المناوئتين. تاريخيا وعسكريا وصناعيا، ارتبطت الهند مع الاتحاد السوفييتى السابق بعلاقات تعاون واسعة استمرت بعد انهياره ووراثة روسيا الاتحادية لوجوده. وحتى يومنا هذا، يستخدم الجيش الهندى على نحو واسع السلاح السوفييتى ــ الروسى وتعتمد العديد من الصناعات الثقيلة على التكنولوجيا السوفييتية ــ الروسية والجهود الهندية لتطويرها. ومع الصين وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا، تنشط الهند فى منظمة البريكس لصناعة بديل عالمى للقطب الغربى الذى تقوده الولايات المتحدة سياسيا وعسكريا وتهيمن عليه تكنولوجيا واقتصاديا وتجاريا. وحين نشبت الحرب الروسية على أوكرانيا، امتنعت الهند عن إدانة روسيا ووقفت على مسافة واحدة من الطرفين. ولأن واشنطن تتخوف من أن ترمى نيودلهى بكل ثقلها الجيو ــ سياسى والعسكرى والتكنولوجى والاقتصادى مع الطرفين الصينى والروسى، فإنها تقدم اليوم عرضا بشراكة استراتيجية شاملة وعميقة وتعد بتطوير وتحديث كافة القدرات الهندية نظير الابتعاد عن مناوئى القوة الأمريكية.
هنا أيضا يتجاهل الجانب الأمريكى أن نيودلهى وإن تخوفت من تداعيات التحالف غير المحدود بين الصين وروسيا على القارة الآسيوية، غير أنها تظل بإرثها الطويل من العلاقات الجيدة مع موسكو والعلاقات المتوازنة مع الصين والسياسة الخارجية المستقلة فى سياق حركة عدم الانحياز متحفظة على الانخراط فى مواجهات الأحلاف الكبرى. كما أن الهند، وهى هنا تتشابه مع الصين حتى سنوات غير بعيدة، لا تبحث فى اللحظة الراهنة عن مواجهات وصراعات ومعارك، بل عن تعظيم التعاون والشراكة مع كافة القوى الكبرى كى تواصل هى صعودها كقوة عالمية.
• • •
السبب الثالث للاحتفاء الأمريكى بالهند ورئيس الوزراء ناريندرا مودى ومرافقيه هو الديمقراطية. فالهند هى الديمقراطية الأكبر فى العالم، ومودى هو رئيس وزراء منتخب لائتلاف يمينى، والولايات الهندية الكثيرة تتفاوت حكوماتها بين يسار ويمين، والإعلام والمجتمع المدنى فى الهند يتسمان بحرية تداول المعلومات وحرية التعبير عن الرأى، والقطاع الخاص غير مملوك للدولة ولا يسيطر عليه الأوليجارك الكبار. على كافة هذه الأصعدة عمومية الطابع، تقدم الهند فى القراءة الأمريكية مقلوب النموذج الصينى والنموذج الروسى وعنهما تغيب مكونات النظام الديمقراطى وتغيب حرية المعلومة وحرية النشاط الاقتصادى. لذا، تروج واشنطن، فى مؤسساتها السياسية الرسمية وفى دوائر الحزبين الديمقراطى والجمهورى وفى وسائل الإعلام، للهند كعملاق ديمقراطى تتشابه قيمه الكبرى مع القيم الأمريكية والغربية ويستطيع حال اشتداد عوده أن يقدم نموذجا ملهما لآسيا وعموم الجنوب العالمى الذى تتراجع به الديمقراطية للعديد من العوامل.
مجددا، يتجاهل الجانب الأمريكى حقيقة أن الديمقراطية الهندية تعانى من أزمة كبرى مصدرها هيمنة التيارات اليمينية العنصرية والمتطرفة على بعض مساحات الحياة السياسية، وهى التيارات التى تتحالف معها وتعبر عنها حكومة مودى بصور كثيرة. يتجاهل أن الهند الديمقراطية فى المقارنة العالمية مع الصين الديكتاتورية، خاصة منظورا إليها من قبل شعوب الجنوب، تظل متراجعة تنمويا وعاجزة عن منافسة الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية الشاملة التى حققتها حكومات الحزب الشيوعى الصينى بالتوجه نحو اقتصاد السوق وفك الارتباط بينه وبين التعددية السياسية والحزبية.
أستاذ علوم سياسية، بجامعة ستانفورد

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات