تساؤلات حول إرهاب العام المنصرم

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الإثنين 1 يناير 2018 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

لم يفارقنا عام 2017 إلا وقد أضاف إلى حصيلته اعتداء إرهابيا جديدا على كنيسة حلوان، وضحايا جدد، ومزيدًا من الغضب والحيرة، ومعهما مزيدًا من الإصرار على ألا يستسلم الوطن للعنف والطائفية والإرهاب.

حصيلة العام كانت كبيرة ومؤسفة، ضباط وجنود ومدنيون، مسلمون ومسيحيون، جوامع وكنائس، مواقع أمنية وأماكن عامة، بجانب الآثار المستمرة على السياحة والاستثمار والتجارة وعلى فرصة البلد فى التنمية والاستقرار. الكل دفع ثمنا ما، ولكن البعض دفع ثمنا أكبر فى حياته أو فى مصاب أليم لفرد من أفراد أسرته وزملائه.

مع كل حادث إرهابى، خاصة حينما يصاحبه هوس طائفى، تنطلق المطالبات بتدخل حاسم من كل اتجاه، من الشارع والبرلمان والإعلام، لتؤكد التضامن وتنفس عن الغضب، ولكن بشكل لا يعبر فى الحقيقة إلا عن تخبط شديد داخل المجتمع حول طبيعة الخطر الذى يواجه البلد والإجراءات التى يلزم اتخاذها حياله.

فى كل مرة تعود المطالبة بفرض المزيد من القوانين الاستثنائية وتشديد العقوبات وإرجاء العمل بالدستور حتى يزول الإرهاب ونعود بعدها لمتابعة الحديث عن المسار الديمقراطى. ولكن الواقع أن كل هذا جار تطبيقه بالفعل، وليس واضحا ما إذا كان قد نجح فى الحد من الإرهاب.

وفى كل مرة يعود الحوار حول تجديد الخطاب الدينى وتحديث الأزهر وتشديد الرقابة على الأئمة والدعاة. ولكن لا يوجد أى اتفاق على مفهوم الخطاب الدينى، ولا المقصود بتجديده، وهل هذا دور تقوم به أجهزة الدولة كما تبنى الجسور والأنفاق، أم يتحقق بتشريع يصدره البرلمان، أم أن تجديد الخطاب الدينى يأتى من خلال تجديد الفكر بشكل عام وإطلاق حرية التفكير والتعبير والنشر والإبداع. 

وفى كل مرة ترتفع بعض الأصوات لتذكر بأن الإرهاب والطائفية نتيجة للتوتر الاجتماعى والضائقة الاقتصادية وتدنى مستويات التعليم. وهو كلام فى محله. ولكن ما العمل حيال خطر يتهددنا الآن ولا نملك معه انتظار إصلاح نظام التعليم ولا انتعاش الاقتصاد، هذا إذا تحققا من الأصل؟ 

وفى كل مرة يجرى البحث عن المسئول عن تقصير أمنى وعمن يمكن الاستغناء عنه أو التضحية به كى تهدأ النفوس والقنوات الفضائية وتنصرف إلى موضوع آخر، حتى ولو لم يكن هناك تقصير ممكن حيال قتلة انتحاريين فرادى لا يمكن التنبؤ بأفعالهم ولا اتخاذ الإجراءات الكافية لوأدها. 

والدولة لا تقدم رؤية واضحة لطبيعة الخطر ولا لكيفية التعامل معه سوى وضعه على الجدول الزمنى للأعمال التى يلزم الانتهاء منها فى موعد محدد، والوعد باستخدام المزيد من القوة، والاستعداد لتقديم المزيد من الشهداء. ولكن مع كل حادث إرهابى جديد تزيد الأسئلة التى لا تجد إجابات مقنعة وشافية. 

هل ما يتعرض له الوطن من عنف وإرهاب منسوب فقط إلى جماعات إرهابية منظمة ومسلحة ومدعومة من الخارج كما هو حادث فى سيناء؟ أم أننا حيال ظاهرة جديدة ومتصاعدة لجرائم إرهابية يرتكبها أفراد منعزلون عن المجتمع وعن التنظيمات السياسية ومدفوعون بهوس طائفى أو تطرف تغذيه العزلة والانفصام عن المجتمع وخطاب الكراهية؟ وكيف يمكن التفرقة بين العمل الإرهابى الذى يستهدف تقويض الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية وبين الاعتداء الطائفى المدفوع بالكراهية والجهل؟ وهل نحن جادون فى محاولة فهم منابع العنف والكراهية وعلاجها، أم نستمر فى التعامل مع النتائج؟ 

الإجابة على هذه الأسئلة ضرورية ليس فقط لأن من حق الناس أن تفهم وتعى طبيعة الخطر الذى يتهددها، ولكن أيضا لأنه يترتب عليها نتائج مختلفة تماما بشأن ما إذا كان المطلوب هو مزيد من التعليم أم التوعية أم التسليح أم التشريع أم القانون. وقد تابعنا جميعا حينما تعرض العديد من مدن وعواصم العالم خلال العام المنصرم للإرهاب، كان أول ما عملت السلطات على توضيحه للرأى العام هو المتوافر لديها من معلومات حول طبيعة مرتكب الجريمة وتكوينه النفسى، وما إذا كان ينتمى لجماعة منظمة لها أصول وجذور وخلايا أم أنه متطرف فردى يسعى للانتقام من المجتمع كله أو من طائفة أو مجموعة بعينها. هذا التوضيح لا يأتى لتحقيق سبق صحفى ولا لتبرئة ساحة المسئولين عن الأمن، ولكن لكى يكون هناك فهم مشترك وتقدير فى المجتمع لطبيعة الخطر وبالتالى للأدوات المناسبة للتعامل معه. 

مواجهة الإرهاب والانتصار عليه، سواء كان فرديا أم منظما، مدفوعا بتطرف دينى أم بهوس طائفى أم بتمويل من الخارج، يقع عاتقها بالتأكيد على ضباط وجنود القوات المسلحة والشرطة والذين يقدر المجتمع ما يقدمونه من تضحيات لحماية الوطن. ولكن فى ظل تصاعد العنف والإرهاب والطائفية طوال العام المنصرم، فلا مفر من إعادة تقييم السياسيات التى تنتهجها الدولة فى محاربة الظاهرتين، وإشراك المجتمع فى فهم ما يجرى، وطبيعة الخطر الذى يواجهه، وفتح أبواب العمل الحزبى والسياسى والأهلى لكل من لديه ما يشارك فى هذه المعركة، بالتوعية والتعليم، وبالخدمات الاجتماعية، وبالحوار، وبآليات الإنذار المبكر، فكلهم جنود فى معركة واحدة يتوقف عليها مستقبل أبناؤنا. 

***

مع خالص التمنيات بعام جديد يسوده الأمن والحرية والعدل والمساواة والوئام بين أبناء الوطن الواحد.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved