البلطجة الأمريكية

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 1 فبراير 2012 - 8:50 ص بتوقيت القاهرة

ماذا لو أصدرت النيابة قرارا بالقبض على الأمريكيين الستة المتهمين فى قضية تمويل منظمات المجتمع المدنى بالمخالفة للقانون؟!. الجنود المختصون بالضبط سيذهبون لمحل إقامة المتهمين، أو مقر منظماتهم ولن يجدوهم لأنهم لجأوا لسفارة بلادهم خوفا من شبح اعتقالهم؟!.

 

أجهزة الحكومة المصرية لا تستطيع دخول السفارة لأنها أرض أمريكية بحكم اتفاقية فيينا، وفى نفس الوقت فإن السفارة لا تستطيع إخراجهم وتسفيرهم إلى بلادهم إلا بعد تبرئتهم.

 

سؤال جديد: ماذا لو تمت إدانة المتهمين المقيمين فى السفارة، وهو احتمال قائم بحكم ما تسرب من دور لهم فى تمويل منظمات مصرية بالمخالفة للقانون؟!.

 

فى هذه الحالة إما أن تحترم الولايات المتحدة القانون المصرى وتقدم المتهمين إلى العدالة، أو تصر على الرفض وتظل محتفظة بهم داخلها حتى يتم التوصل إلى حل سياسى للأزمة.

 

نخرج من القانون إلى فضاء السياسة لنحاول فهم الخطوة الأمريكية المفاجئة.

 

للوهلة الأولى لا يمكن فهم هذه الخطوة إلا أنها تحدٍ أمريكى حقيقى وسافر لمصر وسيادتها وقانونها، وأى تبرير غير ذلك هو ضحك على الذقون، لأن ما حدث أقرب الى البلطجة.

 

بالطبع هناك أزمة بين الحكومة المصرية ومنظمات المجتمع المدنى، وبينما تتهم الحكومة هذه المنظمات بتلقى تمويل بالمخالفة للقانون، فإن هذه المنظمات تتهم الحكومة بأنها ترفض بإصرار منحها الترخيص اللازم لممارسة عملها فى إطار القانون، هذه الأزمة قديمة ومتكررة، لكن دعونا نركز على المنظمات الأمريكية المتهمة خاصة المعهدين الجمهورى والديمقراطى وبيت الحرية «فريدم هاوس».

 

هناك تسريبات تقول إن هذه المنظمات الأمريكية لا تعمل لا لوجه الله ولا لوجه حقوق الإنسان أو نشر الديمقراطية، بل هى مجرد واجهات لأجهزة مخابرات وتجسس، وأن درجة الجرأة والفجور والتحدى وصلت إلى حد وجود خرائط داخل هذه المراكز تقسم مصر إلى أربع مناطق جزء يذهب لدولة نوبية فى الجنوب وآخر لدولة مسيحية فى أسيوط ودولة إسلامية فى الدلتا وضم سيوة ومطروح إلى ليبيا.

 

وتقول التسريبات أيضا إن السلطات المصرية طلبت من نظيرتها الأمريكية بملايين الطرق التوقف عن الممارسات غير الودية لكن دون جدوى، وأن هذه الممارسات بلغت حدا لا يطاق بعد ثورة 25 يناير.

 

 الخطوة الأمريكية بتأمين الحماية لمتهمين داخل مقر السفارة تزامنت مع زيارة وفد مصرى كبير لواشنطن هذه الأيام لبحث أزمة منظمات المجتمع المدنى وبقية الملفات الملتهبة فى علاقات البلدين.

 

التوتر بين البلدين خرج إلى العلن، وما كان مكتوما صار علنيا، ويبدو أن مكالمة الساعة الكاملة بين باراك أوباما والمشير حسين طنطاوى قبل أيام فشلت فى احتواء الأزمة، واشنطن لا تريد أن تتم محاكمة مواطن أمريكى حتى لو كان متهما أمام القضاء المصرى، فما بالك إذا كان أحد هؤلاء المتهمين هو سام لحود ابن وزير النقل الأمريكى الممنوع من السفر بأمر السلطات المصرية؟!.

 

ليس سرا، واشنطن هددت القاهرة علنا بقطع المعونات إذا أصرت على محاكمة الأمريكيين، والاستمرار فى مطاردة بقية المجتمع المدنى.

 

 لا أعرف هل المنظمات المصرية التى تحقق معها السلطات المصرية الآن متهمة أم بريئة فى قضية التمويل، ولو كنت مكان هذه المنظمات لأصررت على ضرورة استمرار التحقيق حتى يتم إبراء ساحتها وغسيل سمعتها بأنها تتلقى تمويلا غير مشروع، وكل ما أتمناه ألا تقبل هذه المنظمات الحماية الأمريكية فى صراع داخلى مع حكومة بلدها.

 

سؤال هامشى: هل الخلاف بين مصر وأمريكا الآن محصور فى إطار «المنظمات» أم أن هذا الملف هو واجهة لخلاف أعمق وأكثر مما يظن كثيرون؟!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved