(الميدان) فى مواجهة خيانة (العسكر): الإسلاميون يعلنون انتصارهم على العروبة

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 1 فبراير 2012 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

وضع «الميدان» بجماهيره المتدفقة بالاعتراض نهرا فى مختلف الأقطار العربية، مغربا ومشرقا، وان ظلت القاهرة هى «المركز»، نقطة النهاية لحقبة امتدت لأكثر من نصف قرن من الزمان كان عنوانها تصدى الجيوش ــ بالانقلابات العسكرية ــ لإسقاط الأنظمة الاستبدادية، وكان أقواها وأطولها عمرا ملكيا (مصر، اساسا ثم العراق وبعده ليبيا، مع استذكار تونس التى سقط «الباى» فيها سهوا عشية تحريرها بالنضال الشعبى من مستعمرها الفرنسى).. وكانت معظم الملكيات تدعى لنفسها حق الحكم بالنسب الشريف.

 

صحيح إن بعض هذه الجيوش (فى تونس ومصر خاصة) قد استنقذت قياداتها دورا لها عن طريق لعب دور «الوسيط» فى إزاحة رأس النظام والتبرؤ من ممارساته وليس من سياساته.. لكن «الميدان» ما زال يصر على مطلبه بشطب أى دور سياسى للجيش وعودته إلى مهمته الأصلية فى حماية البلاد من أعدائها فى الخارج. وأول الأعداء وأخطرهم بالتحديد: إسرائيل ونهجها التوسعى الذى يستهدف شطب قضية فلسطين وحقوق أهلها فيها، والاندفاع إلى مركز قيادة الشرق الأوسط الجديد ــ تحت المظلة الأمريكية.

 

بالمقابل اندفعت إلى مقدمة مسرح الفعل الحركة الإسلامية المثقلة بتاريخ من الصدامات مع النظام العربى بطبعتيه الملكية والجمهورية، وقبل ذلك وبعده بمواجهات محتدمة بالفكر والثقافة مع الحركة القومية العربية، ومعها أحزاب اليسار عموما وطموح المجتمع إلى حماية وحدته الوطنية وحقوق المواطن فيه بغض النظر عن دينه.

 

كان منطق الإسلاميين، بجناحيهم، الإخوان و«السلفيين» أن الحركة القومية، بل العروبة تحديدا، قد غرَّبت الأمة عن هويتها، وأخرجتها من دينها الحنيف... والأخطر أنها قادتها، على امتداد قرن من التبشير والعمل السياسى، وستين عاما من السلطة أو التسلط بقوة العسكر إلى هزائم متتالية والى تدمير المجتمعات وتسببت فى تفكيك او التمهيد لتفكك أكثر من دولة فى المشرق والمغرب.

 

الطريف أن الإسلاميين الذين كانوا يأخذون على «الأنظمة العسكرية» المموهة بالوطنية أو العروبة او بهما معا عجزها عن مواجهة إسرائيل والانتصار عليها وخضوعها للخارج (سوفييتيًا فى ما مضى، وأمريكيا بعد اندثار المعسكر الاشتراكى وتفرد واشنطن بالقرار الدولى) قدموا أوراق اعتمادهم كمشروع سلطة المستقبل فى الأقطار التى اسقط «الميدان» حكامها وحرصوا على توطيد علاقة الصداقة مع الإدارة الأمريكية والتبرؤ من معاداة إسرائيل والسعى إلى تدميرها... بل إنهم أكدوا أنهم سيحافظون ــ فى ما خص مصر ــ على اتفاقات الصلح المنفرد، وعلى الاستمرار فى تأمين النفط والغاز لدولة يهود العالم بالقدس التى لا تتعب إسرائيل من التأكيد على أنها ستكون العاصمة الأبدية والتى لا تتوقف عن تدمير الأحياء العربية فيها وتهجير أهلها، بحيث يبقى المسجد الأقصى أشبه بالمتحف أو المزار.. وكذلك كنيسة القيامة ودرب الآلام.

 

اللافت أن شعارات الإسلاميين عموما والسلفيين بشكل خاص، تتبدى وكأنها استئناف عصرى للمعركة التى دارت على امتداد القرن الماضى بين الذين ما زالوا يتطلعون إلى الدولة الإسلامية التى كانتها الخلافة ولو بصيغة عصرية، وبين القائلين بالعروبة فكريا، او بمدعى بناء الدولة على قاعدة من أحزاب «القومية العربية».

 

فالإسلاميون الذين لم ينسوا ان العروبة «بدعة» جاءت من الغرب واستخدمها ضد الخلافة التى تحولت إلى سلطنة عثمانية، ففتحت له الطريق لدخول هذه المنطقة التى قسمها إلى «دول علمانية»، هؤلاء الاسلاميون يرون أن الفرصة قد حانت الآن لبعث الدولة الإسلامية حيثما انتصر ــ أو سوف ينتصر ــ «الميدان» على الأنظمة العسكرية التى لا تزال ترفع راية العروبة، ولو زورا، أو ترفع على الساريات رايات ترمز إلى «العلم العربى» الذى يفترض أنه علم «الثورة العربية» التى ابتدعتها ورعتها قوة الاستعمار الغربى.

 

●●●●

 

لقد جاء زمن الثأر: وا إسلاماه.. وها هى الفرصة سانحة، «فالميدان» بلا رأس ولا قيادة ولا برنامج. ومن حق الإسلاميين إذن أن يتولوا القيادة، تاركين للملايين من الشباب المتحمسين، والذين لا يملكون أية فكرة عن بناء الدولة، حق التجمع ــ ولو إلى حين ــ والهتاف ضد الحكم العسكرى وضد النظام الذى يتداعى تدريجيا. لا يملك هؤلاء «الفتية البررة» تصورا للنظام البديل، خصوصا وان الشعارات البراقة والهتافات المدوية وقصائد السخرية التى تبهج الحشود وتظلمات المعارضين والآخرين، لا تفيد فى إعادة بناء الوطن ودولته القوية والقادرة على تحقيق طموحات شعبها بملايين المؤمنين من أبنائه.

 

..الثأر، لغم، فالشعب الذى خدعته طويلا شعارات أو ادعاءات حكم العسكر الذى تمدد من سوريا إلى مصر فالعراق فاليمن فالجزائر فالسودان فليبيا، قد استعاد زمام المبادرة، وها هى القوى المعبرة عن وجدان الناس تتولى القيادة لامتحان شعارها الأثير الذى طورد حملته بالاعتقال والتشريد والإعدام أحيانا والقهر دائما.

 

وفى منطق الإسلاميين فقد استهلك العروبيون أو الوطنيون قرنا كاملا من الحكم بالشعار العلمانى، واستخدموا الجيوش طريقا إلى السلطة بدل أن تكون عدة التحرر والتحرير، فدمروا مشاريع الدولة حيث تولوا الأحكام، ثم أضاعوا فلسطين، وسلموها بالمفتاح إلى أعداء الأمة من اليهود، ثم انهم فتحوا البلاد للهيمنة الأجنبية، وأفقروها وهجروا كفاءاتها أو حطموها معنويا فلم تعد مؤهلة ــ تحت قيادتهم ــ لان تنجز ما هى قادرة على بنائه من أسباب التقدم والقوة.

 

ومؤكد أن حجج الإسلاميين فى هذا المجال عديدة ومؤكدة، خصوصا وأنهم قادرون على إثبات عدائهم المبدئى للأنظمة العسكرية، وأن نقضته بالخطايا المميتة التى تمت فى زمن حكم السادات ( الالتحاق به وهو يذهب ضد إرادة الأمة إلى الصلح المنفرد مع العدو الإسرائيلى) او فى زمن حكم حسنى مبارك، وآخر ما أنجزوه فى هذا المجال «التحالف» معه فى الانتخابات ما قبل الأخيرة فى عهده.. مع السكوت دائما عن العلاقة الخاصة جدا والمدعومة بالغاز والنفط واتفاقات كويز، فضلا عن السفارة المحصنة فى قاهرة المعز، ورحلات الطيران وانخراط آلاف العمال المصريين الفقراء فى بناء المستوطنات لمن تستقدمهم إسرائيل من الغرباء، ليحلوا محل أهلها وأصحاب أرضها الفلسطينيين.

 

فى أى حال لا يمكن الاعتراض على وصول الإسلاميين، والإخوان تحديدا، إلى السلطة طالما أن ذلك يتم عبر صناديق الاقتراع، وبمعزل عن إفادتهم المؤكدة من «الحياد المريب» للجيش الذى كاد يضبط متلبسا بالتواطؤ فى مصر خاصة، وبنسبة أقل فى تونس.

 

لكن عدائيتهم المبدئية للهوية العربية للبلاد التى اقتربوا من سدة الحكم فيها سوف تأخذهم عبر المجاهرة بالحرص على الصداقة مع الولايات المتحدة الامريكية التى كان وسيبقى عنوانها إسرائيليا، لا يمكن ان تطمئن لا الشعب فى مصر أو فى الأقطار العربية الأخرى إلى إن بعض ثمن هذه السلطة قد دفعها أبناؤهم من دمائهم انقاذا لهوية بلادهم وحقها فى بناء دولة منيعة على أعدائها وقادرة على تأمين مسيرتها إلى التقدم والعمران.

 

●●●●

 

ليس الموقف من إسرائيل بندا سياسيا تفصيليا فى خطة أى تنظيم أو حزب إسلامى أو علمانى يقدم نفسه كمشروع كسلطة مؤهلة وقادرة على الإنجاز فى ظل نزول الشعب إلى «الميدان».

 

إن الموقف من إسرائيل هو الأساس لأى حكم وطنى، حقا فى أى بلد عربى من أقصى المغرب إلى أدنى المشرق.

 

هو الأساس فى السياسة الخارجية ومدى الارتباط بمشروع الهيمنة الامريكية على الإرادة والقرار.

 

وهو الأساس فى السياسة الداخلية التى تهدف إلى حماية كرامة الوطن ومواطنيه وحقهم فى بناء دولته القوية والقادرة، المنيعة على أعدائها، والمجسدة إرادة شعبها وقدراته لبناء مستقبلها الأفضل.

 

إن إسرائيل مشروع استعمارى ــ صهيونى معاد فى أساس إعداده ثم فى خطة إقامته على أرض فلسطين، للأمة العربية جميعا، وبأقطارها كافة، بمسلميها ومسيحييها، بأكثريتها والأقليات فيها.

 

إنه البديل عن «الدولة» فى هذه الأرض الممتدة ما بين المحيط الأطلسى والمحيط الهندى، بكل ثرواتها وطاقاتها وحقوق أهلها فيها.

 

هل من الضرورى الإشارة إلى أن التركيز على حكم الشريعة خطر على وحدة الأمة عموما، ووحدة الشعب فى كل قطر.. لأنه يتجاوز السياسة إلى العقيدة الإيمانية. وقبل الحديث عن غير المسلمين من الأمة فإن بعض الأصوليات الإسلامية يأخذها الحول إلى استعداء اكثريات إسلامية (من السنة قبل الشيعة)، ومن ثم إلى تقسيم المسلمين أنفسهم ودفعهم إلى مواجهة بعضهم البعض، بما يذهب بوحدة الشعب، ثم بمشروع الدولة العصرية المؤهلة والقادرة على تحقيق أهداف «الميدان» وهى باختصار: إعادة بناء غد أفضل للإنسان العربى فى مختلف بلاده... والوحدة الوطنية هى شرط التقدم نحو إنجاز الهوية، والعروبة فى أساس الوحدة الوطنية وليست خارجها!.

 

ومن اقترب من الصلح مع إسرائيل، او صمت عن هذا الانحراف، انما يمهد لنقل الحرب إلى الجبهة الداخلية، بالفتنة..

 

وبعض ما قاله إسلاميون صاروا فى السلطة او بقربها من المصريين والتوانسة فى منتدى دافوس يصب مزيدا من المياه فى طاحونة الفتنة.. لحساب إسرائيل... وهكذا تبين أن لا خلاف بين إسلام ناطق بالفرنسية او إسلام ناطق بالإنجليزية مع الإسلام الناطق بلغة قريش!.

 

.. أما «الطاغية» حسنى مبارك فما زال يتمتع بكل امتيازات الرئيس ــ ولو نائما فى الطائرة الخاصة التى يستخدمها يوميا، تقريبا، فى التنقل من المستشفى الملكى إلى المحاكمة ــ خارج الموضوع، والتى لا تبدو لها نهاية واضحة إلا فى زيادة الانقسام الداخلى.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved