ليلة الخميس!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الإثنين 1 مارس 2010 - 9:16 ص بتوقيت القاهرة

صديق عزيز وكاتب كبير حكى لى أنه ظل محاصرا فى سيارته يوم الخميس الماضى لمدة ثلاث ساعات فى طريقه للعودة للمنزل فى هذه الليلة المرعبة التى صال فيها البرق والرعد والأمطار وجالوا فى مشهد لم يتكرر منذ سنوات.

الصديق قال إنه شعر فعليا بالهلع. خشية أن يسقط سلك كهرباء ويصل للسيارة عبر المياه ويحدث ما لم يحمد عقباه.

قصة هذا الصديق سمعتها من عشرات الأصدقاء والزملاء الآخرين لكل من ساقه حظه العاثر أن يكون خارج منزله فى هذه الليلة، والمؤكد أن كل واحد منا يملك قصة مشابهة، خصوصا الذين حكمت عليهم الأقدار بركوب مترو الأنفاق فى اللحظة التى تم إيقافه عن العمل حفاظا على أرواح الركاب.

الصديق المحاصر داخل سيارته وبعد أن أفاض فى وصف الليلة ــ وطابور السيارات الذى كان بلا نهاية، حتى على الطريق الدائرى ــ وجه كل ما فى جعبته من شتائم لكل المسئولين عن هذا الإهمال، خاتما حكايته بأنه لا يوجد أمل فى هذه الحكومة والبلد بأكملها طالما أننا لا نتعظ أو نستفيد من أى كارثة تحل بنا سواء كانت طبيعية كالأمطار والسيول أو من صنع أيدينا مثل غرق العبارات وتحطم القطارات.

وكأننا مثل «الرجل الساذح الذى تلقى 99 صفعة مفاجئة على قفاه»! أو مثل المريض المشلول الذى يعتمد على الحقن التى تجعله يبدو سليما رغم أن الجميع يعلم حالته.

انتهى الحوار مع الصديق ثم بدأنا نتكلم فى الكورة، وما هى احتمالات فوز الزمالك بالدورى وهبوط الأهلى للدرجة الثانية ــ كما أحلم ــ ضحكنا كثيرا وانصرف الصديق إلى حال سبيله، وكأن شيئا لم يكن.

لماذا أقص هذه الحكاية التى تبدو روتينية وتتكرر بين معظم المصريين؟!

ببساطة لأن معظمنا لا يربط بين شيوع الاهمال وانهيار الخدمات وبين السياسة.

كثيرون منا لا يدركون أن «البلاعة» المفتوحة فى الشارع هى أعلى مراحل السياسة، بل هى تفوق فى خطورتها كل الكلام «المجعلظ» الذى يلوكه كثير من السياسيين والحزبيين ليل نهار فى ندوات ومنتديات وبرامج لا يشعر بها المواطن البسيط.

صفحات الصحف وبرامج الفضائيات تمتلئ بأخبار وتقارير وتحليلات وصور لقضايا هى شديدة التفاهة أحيانا بمنطق مدى أهميتها للناس، للدرجة التى تدفع البعض يائسا لتصور أن هناك مؤامرة محكمة من بعض وسائل الإعلام حتى لا يفكر الناس فى قضاياهم الحقيقية.

لا يجد المرء تفسيرا مقنعا لهذا التناقض الذى يتكرر فى حياتنا يوميا سوى أن الحكومة وأجهزتها قد نجحت بجدارة فى تخديرنا جميعا للدرجة التى تجعل الآلاف يخرجون محاولين إحراق سفارة بلد شقيق هو الجزائر ردا على نتيجة مباراة فى كرة القدم، فى حين نكتفى فقط بسب هذه الحكومة لو تسببت سياستها فى إغراق عبارة أو شل حركة الوطن بفعل الإهمال والأمطار، ومادام الأمر كذلك فعلينا ألا نلوم إلا أنفسنا.  

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved