إخراج بائس لمشهد ملتبس

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 2 مارس 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

فى هذا المكان وفى يوم الاثنين 20 فبراير الماضى، كتبت تحت عنوان «الأزمة مع أمريكا تنتهى قريبا» ان هناك خطوات محددة تم الاتفاق عليها بين الجانبين لتفكيك قضية منظمات المجتمع المدنى وعدم تعريض علاقات الحكومتين إلى هزة قد تؤدى إلى زلزال لم يستعد له الطرفان.

 

الجزء الأول من القضية انتهى بالسماح بسفر المتهمين الأمريكيين الذين كانوا لاجئين فى سفارة بلادهم بجاردن سيتى حتى لا تطولهم يد العدالة المصرية.

 

الولايات المتحدة اتخذت قرارا بألا يمثل مواطنيها ــ المتهمين ــ أمام القضاء المصرى مهما كان الثمن، ودخلت فى لعبة صراع إرادات مع حكومتنا، وتحقق لها معظم ما أرادت، لكن لا نعرف ماذا حصل المصريون فى المقابل.

 

قد نختلف حول الأسباب الحقيقية لتفجر هذة القضية لكن المؤكد ــ ورغم التطور الأخير ــ  فهناك ندوب أصابت جسد العلاقة بين الحكومتين، وقد تستمر لفترة حتى يمكن بناء علاقة جديدة بين واشنطن، والنظام الذى يوشك على التخلق قريبا فى القاهرة.

 

وبعد هذه النهاية الدراماتيكية للأزمة ــ وبعيدا عن الخوض فى جوهرها ــ فإن الشكل والأداء والإخراج الذى صاحب هذه الفيلم أو المسرحية أو المأساة أو الملهاة لم يكن جيدا من الجانب المصرى، وعلى من يشكك فليتأمل كيفية التخبط بين أجهزة الدولة منذ عصر الأربعاء حتى صباح أمس الخميس.

 

مرة أخرى علينا احترام  هيئة المحكمة  الجديدة التى تنظر القضية الآن وليس دورنا الحكم  فى الاتهامات  الموجهة للمنظمات.. لكن ما نتحدث عنه الآن حتى تتضح بقية تفاصيل ما حدث هو ما هذا الأداء البائس فى طريقة تصرف الجانب المصرى؟!

 

إذا كانت الحكومة المصرية قد أقامت الدنيا ولم تقعدها دفاعا عن السيادة ضد الغزاة القادمين مع هذه المنظمات التى تريد هدم أسس الدولة، وعاثت فى الأرض فسادا طبقا للاتهامات الموجهة إليها، فلماذا سمحنا لهؤلاء «العتاة» بالسفر، ولماذا حدث كل هذا التناقض الذى صاحب قرار الإفراج، ومن الذى اتخذه فى البداية، وكيف يتم التدخل فى عمل المحكمة التى تنحت عن نظر القضية تحديدا، وهل تم الضغط على القاضى الأول المستشار محمود شكري.

 

قبل أيام تحدثت مع سائق تاكسى ــ يكره الثورة بالسليقة ــ وانطلق فى وصلة دفاع حارة عن المجلس العسكرى وحكومة الجنزورى بسبب تصديهم البطولى للجواسيس الأمريكيين حسب وصفه.. مثل هذا السائق  كثيرين مثله فى الشارع المصرى تفاعلوا مع الحملة المنظمة ضد الأمريكيين وبقية المراكز الحقوقية، السؤال هو: كيف سيصدق هؤلاء الحكومة مرة أخرى عندما تصرخ قائلة: «الذئب .. الذئب».

 

يمكن القول إنه لسوء الحظ ــ فإن طريقة إخراج المشهد كانت كارثية مثلما شهدنا فى حوادث أخرى كثيرة.. أكثر ما يخشاه المرء أن تكون القضية تفجرت من البداية لأسباب عنترية من دون قراءة للمشهد بالكامل. لم يقل أحد أن الإدارة الأمريكية مجموعة من الملائكة، ورأيى الشخصى ــ الذى لا يلزم أحدا ــ أن ضعف وهوان نظام  مبارك تسبب فى وجود علاقات مختلة مع كثيرين، فى مقدمتهم أمريكا، الأمر الذى جعلها تتعامل مع انتهاك القانون باعتباره حقوقا مكتسبة.

 

أتمنى أن نعيد النظر فى علاقتنا مع كل بلدان العالم خصوصا أمريكا، لكن شرط أن يكون ذلك بهدوء ودراسة، وأتمنى أن نكون قد كسبنا من وراء هذه الأزمة ــ كما قال لى مسئول كبير ــ على المستوى الاستراتيجى وليس مبلغ الـ32 مليون جنيه غرامة التى سددها المتهمون بشيك كى يركبوا الطائرة عائدين إلى بلدهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved