حتى يغيروا ما بأنفسهم: 9- الشورى أوسع مدى

جمال قطب
جمال قطب

آخر تحديث: الخميس 1 مارس 2018 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

ــ1ــ

الشورى حقيقة إيمانية، لكنها مظلومة فى مجتمع المؤمنين، وربما مجهولة عند غيرهم. أما ظلمها فى مجتمع المؤمنين، فقد تنوعت مجالاته، بل وتعددت درجاته، فعلى المستوى الشخصى للفرد المؤمن نشأت أجيال كثيرة وحتى لحظتنا هذه لا تعتمد الشورى ولا تتعودها بل ويستنكرون استدعاءها إذا طلبها البعض أو استجار بها مستجير، ولعل غالبية الناس لا يبحثون عن الشورى ولا يقدرونها حق قدرها إلا إذا كان لهم حق مهدد بالضياع ــ بسبب الرأى الواحد ــ أو مريض يتعرض لبدائل علاجية خطرة.. هنا فقط يطالبون الطبيب أن يشاور الأطباء الآخرين المتخصصين. وحقيقة الإيمان تجعل الشورى فرض عين على امتداد الزمان والمكان، أليس المؤمن يوقن أن الإنسان متخصص فى بعض الأعمال والمهارات دون غيرها؟ ومادام عقل المؤمن وطموحه يبحثان عن الأفضل والأنفع والأكثر مناسبة، فالأولى أن يستعين بآخرين، وهذه الاستعانة هى الشورى التى تحقق الصواب والخير للجميع.

ــ2ــ

وعلى المستوى الأسرى نرى عشوائية سلوكية تتعارض مع قرائن الإيمان، فالأسرة مثلا تدفع الأبناء إلى أنواع من التعليم لا تتناسب مع قدراتهم، بل وقد يفرض الآباء ميولهم ورغباتهم على نوعية دراسة الأبناء دون أن يشاوروا أهل الخبرة، وأبسط قرائن الإيمان أن المؤمن يؤمن بأنه مخلوق لوظيفة ومهمة، ولا شك أن الله قد هيأه لتلك المهمة وأمده بقدرات ومهارات للتفوق فيها حسب القانون الإلهى «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها»، فالإيمان يفرض ضرورة التعرف على قدرات كل شخص ومهاراته (وسعها) من ناحية فضلا عن التعرف على أولويات الأمة من ناحية أخرى، ويتم ترشيح الأبناء للعلوم أو الفنون المتوافقة مع قدراتهم المتميزة ومع حاجة الأمة، وحتى لا يطول حديث الشورى فى الأسرة، فتعالوا نصارح أنفسنا عن التزامنا بالشورى حينما تقبل بعض الأطراف على الزواج، فهل نجد شورى؟ وهل تستوفى شورى الزواج أركانها وشروطها؟ ولعل هجر الشورى فى تدبير الزواج هو أحد أهم العوامل فى سرعة الطلاق وتمزيق الشمل.

ــ3ــ

فإذا انتقلنا إلى البيئة القريبة بما تضمه من أقارب وجيران وأصدقاء ومؤسسات رسمية وشبه رسمية ودور عبادة ومرافق نزهة أو ترفيه، فهل تجرى استطلاعات رأى فيما يفضله السكان أم أن كل فرد يطلى واجهة بيته (خارجيا) كما يحب هو وليس بما يتناسب مع ما حوله؟ وكل فرد يرفع البناء عاليا بغض النظر عمن حوله، أما تحويل السكن إلى ورش!!! مقلقة للراحة.. فذلك فى متناول من يريد. وأما عن فظائع الإدارة المحلية، فحدث ولا حرج: فهى تعمل دون تخطيط وتنفذ دون أمانة وتوقع المخالفات دون مقاييس معقولة، وإذا دققنا وربما وجدنا أن عشوائية السياسة الداخلية وجهالة المسئولين على المحليات هما السبب المباشر لحدوث كل المخالفات الواقعة فى مجتمعاتنا السكانية من حيث العدوان على المرافق والتجاوز فى الارتفاع وتغيير الاستعمال من سكنى إلى حرفى.

ــ 4 ــ

العجب العجاب أن «النقابات المهنية» لا تعرف الشورى ولا التوافق ولا استطلاع الرأى، وتتزاحم قرارات ومشروعات النقابات دون مراعاة لحقوق الأفراد وحق كل عضو أن يتمتع بخدمات نقابية ممتازة، وحتى الحد الأدنى من واجبات النقابة وهو تطوير المهنة وزيادة كفاءة الأعضاء وتمكينهم من الاطلاع على المستجدات فى مجال المهنة.. كل ذلك غائب غائب، كما أن الشورى داخل النقابات يناط بها واجب وطنى كبير وهو واجب ترشيد نفقات المهنة وتبسيط الإجراءات واستقطاب المواطنين للانتفاع بها والاعتماد عليها، ولكن هيهات وهيهات.

ــ5ــ

فالشورى إذا ليست من الزينة والكماليات، بل هى ركن ركين من أركان العلم والمدنية والتقدم والتنافس «وفى ذلك فليتنافس المتنافسون»..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved