فوتـو شوب زوجة العسكـر

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: الإثنين 2 أبريل 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لا تملك إلا أن تقف مذهولا عندما تمر أمام شارع حسين حجازى أمام مصلحة الضرائب بلاظوغلى، وتجد صورة منيرة القاضى زوجة الفريق سامى عنان رئيس أركان القوات المسلحة. وهى فى كامل هيئتها العسكرية، بعد أن استخدم بعض المحتجين من موظفى المصلحة الفوتو شوب، لإظهارها وهى مرتدية البدلة العسكرية، والرتب تعلو كتفيها، والبيريه الميرى يغطى حجابها بالكامل. هذه الصورة يعلقها بعض المحتجين على بوابة المصلحة وعليها علامة (x) كناية عن رفضهم لرئاستها لقطاع المناطق الضريبية بالمصلحة. وذلك بعد أن تجاوزت سن الستين وتم المد لها أكثر من مرة.

 

كان يمكن لهذا الاحتجاج أن يمر كغيره من الاحتجاجات التى يعترض فيه موظفون على رئيسهم لأنه تجاوز سن المعاش، ومازال فى موقعه. ولكن هذا الاحتجاج بالفعل ليس كغيره، أولا لطبيعة الشخصية المعترض عليها، ولنوع الاحتجاج، ولنوعية الموظفين. فعندما يكتب موظف على لافتة عريضة (يسقط حكم العسكر) ويلحقها بعبارة (تسقط زوجة العسكر) و(منطقة عسكرية ممنوع الاقتراب والتصوير بأمر منيرة القاضى) دون أن يخشى من العسكر أو زوجته فهذا ليس كغيره من الموظفين. وعندما تهتف موظفة بأعلى صوتها (يسقط يسقط حكم العسكر.. المصلحة مش معسكر)، تقول ذلك وهى تعرف أنها تهتف ضد طغيان العسكر ومن يمثلون العسكر فى مصلحتها فهى ليست كغيرها من الموظفات. وعندما يظل عدد من الموظفين المحتجين الذين تم وقفهم عن العمل، وتحويلهم للنيابة، وخصم نصف شهر من مرتبهم لحين إشعار آخر كعقاب لهم عندما يظل هؤلاء على موقفهم الرافض لقيادة المصلحة وكأنها معسكر، فهم ليسوا كغيرهم من الموظفين.

 

الحقيقة أن احتجاج موظفى مصلحة الضرائب يحمل جديدا لمسيرة الاحتجاجات فى مصر. كما يحمل ردا على تساؤل عريض حول ما إذا كان القادم فى مصر هو ثورة للجياع. جديد رجال الضرائب أنهم أصبحوا على استعداد لأن يقفوا وجها لوجه مع أعلى سلطة فى البلد بصدورهم، مع أن صدروهم قليلة، وبحناجرهم مع أن حناجرهم مبحوحة. فعندما يهتف المتظاهرون فى مظاهرة عريضة فى ميدان واسع، وسط الآلاف بسقوط حكم العسكر، يبدو الأمر هينا، والمخاطرة محسوبة. أما حين يقف المئات يهتفون وسط شارع جانبى، فى تحدٍ لأتباع العسكر فيبدو التحدى باهظ الثمن، وتبدو المجازفة وكأنها كالقذف طوعا إلى التهلكة.

 

والحقيقة أن احتجاج الضرائب فيه الكثير الذى قد يهم هؤلاء الذين يدركون أن تسجيل تاريخ ثورة يناير سيكون أكثر جدوى إذا ما بدأت كتابته من الشوارع الجانبية، ومن أناس ناموا فى خيام على إسفلت هذا البلد، فالتصقوا به، والتصق بهم، الإسفلت والبلد.

 

فإذا عرفنا أن الإحتجاج الذى قام به بعض موظفى الضرائب، والذى لم تنته فصوله بعد، لم يبدأ إلا بعد أن خرج منشور منسوب إلى السيدة منيرة القاضى وبتوقيعها يفيد بجمع توقيعات من الموظفين الموافقين على التبرع لمبادرة دعم الاقتصاد القومى، وذلك تمهيدا لخصم قيمة التبرع من مرتبهم. وأن المنشور كان يتضمن النص على كتابة أسماء الموظفين الذين اعترضوا على التبرع. وبالرغم من أن السيدة القاضى عادت لتؤكد أن هذا المنشور قد تم تزويره من جانب مدير مكتبها، وهو الأمر الذى وجد صعوبة شديدة لدى الجميع فى تصديقه ليس فقط لصرامة السيدة زوجة الفريق عنان، ولكن لمعرفتهم بقواعد التربية العسكرية التى تلقنها مدير مكتبها، وأخيرا لأنه لم يتم تحويله للنيابة كما تم مع الموظفين المحتجين بعد ذلك. وما نستطيع الوقوف عنده فى هذه القضية هو ما فسره المحتجون من أن هذه كانت بداية الانفجار «لم نعد نحتمل المعاملة العسكرية، والفرمانات التى تصل لحد معاقبة من يخالف التعليمات حتى لو كانت هى بالأساس تبرعات تخضع لرغبة كل موظف». «أردنا أن نقول بصوت مسموع: لن نسمح بأن يحكمنا فى مصلحة الضرائب رئيس عسكرى، حتى ولو كان لا يرتدى بدلة عسكرية. فالمصلحة مدنية وستظل مدنية». هذا ما يردده أعضاء النقابة المستقلة لموظفى الضرائب التى تقود الاحتجاج.

 

هذا ليس فقط ما سوف يكتبه من يسجل بطولات الناس العاديين الذين يصنعون الثورة اليومية. ولكن سيكتب هؤلاء أن الثورة آتية فى مصر، ليس فقط ممن يريدون قهر الفقر، ولكن ستأتى أيضا من غياب العدل. فالموظفون فى مصلحة الضرائب ليسوا فقراء، هم يتقاضون بالتأكيد أكثر بكثير من المدرسين، وسائقى الأتوبيسات، وموظفى البريد، والعمال فى الشركات الاستثمارية الذين يفترشون شوارع جانبية أخرى. ولكن هم يعانون من غياب العدل. هم يرون أن العدالة ليست ترفا، ولكنها حق يحرك الغاضبون من غيابها، خاصة عندما يتعدى الظلم النسب المسموح بها. هذه النسب التى تسمح بأن يكون هناك موظف يعمل فى مركز كبار الممولين يتقاضى كل شهر مكافآت بالآلاف من الجنيهات بمجرد أنه من المحظوظين، بينما يحرم منها الموظف فى كل المأموريات الأخرى.

 

غياب العدل كما يشرحه المحتجون هو أن يستمر موظف يعمل فى هذا المركز الذى تتوافر فيه كل العوامل التى تجعله وكأنه نزيل مأمورية خمس نجوم، دون أن يبذل أى جهد يذكر. لأن زبائن هذا المركز غالبا هم من الممولين من أصحاب الشركات الكبيرة الذين يدفعون الملايين دون أخذ ورد. بينما زميل له عليه أن يمر فى الحوارى والأزقة والمناطق العشوائية باحثا عن بعض الممولين من أصحاب المحال والأكشاك الذين يبيعون الشيبسى والعصائر أو بعض مصانع بير السلم الذين يصعب عليهم مسك الدفاتر، ولا يعرفون حتى القراءة والكتابة. الذين عليهم أن يدفعوا 20% ضرائب مثلهم مثل كبار رجال الأعمال. وهو الظلم الذى لا يرضون عنه أيضا. وهناك بعض مأمورى الضرائب الذين يضطرون لدخول أماكن خطرة فى أماكن نائية ويتعرضون فيها للضرب والإهانة دون حماية من أحد افراد الأمن. وفى النهاية عند تقسيم حصيلة جهود هؤلاء يحصد كبار المستشارين والمحظوظين من كبار المسئوليين على مكافآت هى فى حقيقتها بدل عرق مأمور الضرائب الذى لا ظهر له. سواء ظهر عسكرى أو مدنى، بينما يبقى أصحاب الوجوه المبللة بالعرق بدون بدل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved