نجاح سياسى للسعودية: مصادرة القمة بالحرب!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 1 أبريل 2015 - 9:20 ص بتوقيت القاهرة

هل كان الموعد المباغت لتفجير الأوضاع السياسية فى اليمن بما يبرر الحرب على «الحوثيين» فيها (ومن خلفهم إيران)، عشية انعقاد القمة العربية السادسة والعشرين فى شرم الشيخ، وبرئاسة مصر، مجرد مصادفة، أم أنه نتيجة قرار مدروس وبهدف الوصول إلى ما تحقق للسعودية (ومعها سائر إمارات الخليج) عبر هذه القمة وبيانها غير المسبوق فى صياغته الحربية وفى استهدافه الواضح وهو: التسليم بالقيادة السعودية لهذه المرحلة فى التاريخ السياسى للأمة العربية؟!

لم يتعوّد العرب أن يروا المملكة المذهبة فى الثياب العسكرية... ولم يألفوا منظر الطيارين السعوديين وهم يقودون أحدث وأقوى الطائرات الحربية فى غارات على أفقر بلد عربى، والذى دولته بلا رأس، والميليشيات القبلية فيها أقوى من جيشها... كما أنهم لم يألفوا أن يسمعوا البلاغات العسكرية عن الغارات الناجحة فى تدمير «أهدافها» التى لم يكن تدميرها بحاجة إلى كل هذا الاستعراض العسكرى المثير للدهشة.

كذلك لم يتعوّد العرب على اللغة العسكرية فى البيانات الختامية للقمم العربية منذ السبعينيات، وحين كان لهم عدو خطير فى قوته وفى تحالفاته: إسرائيل.

ولقد عصفت رياح كثيرة بالقضية المقدسة فأفقدتها أولويتها، خصوصا بعدما انخرطت قيادة منظمة التحرير فى «العملية السلمية» والتنازلات المؤلمة التى فُرض عليها أن تقدمها من رصيد قضيتها حتى يتم الاعتراف بها كسلطة لا سلطة لها على أرض ما زال الاحتلال الإسرائيلى يحتلها ويتحكم بحياة أهلها... وصار «الرئيس» الفلسطينى رئيسا ولا دولة، خصوصا وقد انفصلت «السلطة» عن «القضية» كما انفصل معظم العرب عن هويتهم وقضايا مصيرهم.

ولعل هذا، بين أسباب كثيرة أخرى، هو ما جعل «القضية» تختفى من بيانات القمة لتحضر «السلطة» حضورا باهتا يوفر لأهل النظام العربى العذر فى التنازلات المتوالية تحت شعار «لن نكون فلسطينيين أكثر من أهل القضية الفلسطينيين»... ومن هنا جاءت الإشارة الباهتة فى البيان الختامى للقمة بعد حديث عن «الأمن القومى العربى بمعناه الشامل وبأبعاده السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية».

على أن هذا الأمن القومى العربى قد تطلب مزيدا من التحديد بعدما «بات تحت تهديدات متعددة الأبعاد، فبنيان الدولة وصيانة أراضيها قد أضحيا محل استهداف فى أقطار عربية عديدة.. ونتابع بقلق اصطدام مفهوم الدولة الحديثة فى المنطقة العربية بمشاريع هدامة تنتقص من مفهوم الدولة الوطنية وتفرغ القضايا العربية من مضامينها وتمس بالتنوع العرقى والدينى والطائفى، وتوظفه فى صراعات دموية برعاية أطراف خارجية ستعانى هى نفسها من تدمير كل موروث حضارى كان لشعوب المنطقة دور رئيسى فى بنائه».

•••

فجأة، انتبه الناس إلى أن «درع الجزيرة والخليج» بقيادته السعودية يضاهى أعظم الأساطيل الجوية فى قوة التدمير.. وكانت المشاهد جديدة ومثيرة، فمن زمن بعيد لم يتسنَّ للمواطن العربى أن يرى هذا الكمّ من الطائرات الحربية حاملة شعارات دول عربية عديدة وهى تستعد للإقلاع فى مشهد يشابه انقضاض النمر على الفريسة... ثم تأتى صور الانفجارات والدمار فى المواقع التى قصفت شهادة دقة للطيارين الذين تختفى وجوههم وراء خوذهم المدببة. ولأن الذكريات مرة، فقد قفز العرب بذاكرتهم إلى الخلف واستعادوا مشاهد «عاصفة الصحراء» وغارات الطيران الحربى الأمريكى، ومعه «الطيران الحليف»، على كل ما كان قد تم بناؤه فى العراق قبل صدام حسين ومعه، من أسباب العمران.

•••

المسرح معد بإتقان: عشية القمة العربية السادسة والعشرين، والتى لم يكن لها موضوع يجمع أطرافها، ابتدعت السعودية ومعها إمارات الخليج العربى قضية «الهيمنة الإيرانية على اليمن عبر الحوثيين» وفرضتها بندا أول على جدول الأعمال. ففلسطين منسية تماما ومغيّبة، وليبيا فى عهدة الأمم المتحدة، وسوريا فى عهدة الحرب المفتوحة فيها وعليها، والعراق يحاول توحيد قواه فى مواجهة «داعش» وإبراز دور الجيش بديلا من «الحشد الشعبى». أما مصر فقد تخطت محاولات إرهاب الداخل ووجدت الطريق الدولى للاستثمار وإعادة بناء دولتها وليس عاصمتها فحسب، وتونس تمسح الدماء عن متحفها وتتخوف من عمليات إرهابية جديدة، وليبيا تحاول استجماع أشتاتها الموزعة بين طبرق وبنغازى وسرت وطرابلس امتدادا إلى الجزائر فالمغرب.

يمكن القول بل الاستنتاج أنه قد تم استنفار فقراء العرب ليخوضوا حربا متوهمة حماية لأغنياء العرب بالعصبية المذهبية، عبر تعظيم الشبح الإيرانى وكأنه قد استكمل أو يكاد يستكمل هيمنته على اليمن وسوف يتقدم منها ليمسك بأمن الجزيرة والخليج والمضائق والبحار عموما.

ومن المؤسف فقد نجحت السعودية فى مصادرة القمة بموضوع الخطر الإيرانى الداهم، فإذا معظم الأنظمة العربية تنتظم فى طابور حماية الأمن القومى العربى، قافزة من فوق كل الأعداء الفعليين والذين يحتلون الأرض والقرار العربى وأولهم إسرائيل التى أعادت إلى رئاسة الحكومة بنيامين نتنياهو وقد بات أشد تطرفا والتزاما بشعار «إسرائيل دولة يهود العالم»، وبعدها يأتى «داعش» ودولة خلافته الإسلامية فى العراق والشام، ثم «النصرة» وآخر مشتقات «القاعدة» التى تضرب فى أنحاء عربية كثيرة، أولها اليمن جنوبا وشمالا.

•••

فجأة، ومن دون أى تمهيد، تحول «الحوثيون» فى اليمن، وهم بعض فقراء أهلها المستبعدين عن السلطة، والذين تعرضوا لحملات عسكرية تأديبية عديدة، على أيدى نظام على عبدالله صالح، إلى خطر داهم على الأمن القومى العربى يهدد جيرانه الأغنياء ويفرض عليهم مواجهته بأقوى ما لديهم من سلاح.

تم تصوير «الحوثيين»، وهم الأرقى نسبا فى العرب العاربة، وكأنهم طابور خامس لإيران فى اليمن السعيد، أو طليعة لجيوش منها ستجتاح بلاد الذهب الأسود فى الجزيرة والخليج..

فجأة، ارتفعت صيحات الحرب فى أجواء الجزيرة العربية، واحتلت صور الطائرات الحربية حاملة أعلام المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والبحرين، صدر الصفحات الأولى للصحف ومقدمات نشرات الأخبار المتلفزة... وشاهدنا الأمراء فى غرف العمليات العسكرية بينما كانت الحرائق تندلع فى خلفيات الصور توكيدا لإصابة الأهداف المحددة فى مختلف أنحاء اليمن وتدميرها.

فجأة، أعلن عن قيام حلف عسكرى بين دول النفط العربى جميعا ومعها أفقر الدول العربية مصر والسودان والمغرب والأردن، مع إسناد باكستانى معلن، وتأييد تركى، ورعاية أمريكية، لمقاتلة الحوثيين فى اليمن ومنع إيران من الوصول إلى باب المندب والتحكّم بالبحر الأحمر وبحر العرب من خلال التمركز فى خليج عدن.

اللافت أن جيوش المواجهة الجديدة ستكون من أبناء الأقطار العربية الفقيرة، وربما لهذا اختيرت الخرطوم مقرا للقيادة العتيدة، خصوصا وقد قبلت توبة رئيسها المشير عمر حسن البشير، فزار الرياض مهنئا «العهد الجديد» فيها، ثم قدم أرض بلاده لتكون ميدان التدريب لقوات المواجهة الجديدة مع من تقرر تعيينه «العدو الجديد» للأمة بديلا من الإسرائيلى الذى ثبتت عبثية قتاله، وهو الأقدر والأقوى بجيشه وسلاحه وصداقاته الدولية قبل الحديث عن حليفه ـ شريكه: الولايات المتحدة الأمريكية.

•••

والسؤال الذى يفرض نفسه هنا: ألم ينتبه القادة فى هذه القمة العربية التى تولت السعودية فرض جدول أعمالها إلى أن تعظيم الخطر الإيرانى وإحلال إيران فى خانة العدو محل إسرائيل، إنما يتسبب فى تحوير طبيعة الصراع وبالتالى ضرب الجامع القومى بين العرب، وتعظيم خطر تعدد الانتماءات المذهبية داخل الدين الحنيف، وهو خطر كان قد تم تجاوزه منذ زمن بعيد، والعودة إليه تأخذ إلى الانقسام والاحتراق بنار الفتنة ولا توصل إلى التحرير ومعه المستقبل الأفضل الموعود؟.

ولقد تعود العرب من مصر، تحديدا، أن تكون هى السد المنيع فى وجه مخاطر الفتنة بين المسلمين، وأن تكون بتراثها الإيمانى وبأزهرها وعلمائها وبدورها القيادى فى الأمة السد المنيع فى وجه محاولات إثارة الفتنة بين أتباع الدين الحنيف، بل وبين أبناء الأمة بأكثريتهم الإسلامية وأقلياتهم الدينية.

ولعل الحماسة السعودية لهذه الحرب المباغتة تعلن على دولة أخرى لم تعتد عليها ولم يخرق جنودها الحدود، هى التى جرفت القمة بعيدا عن الأهداف الأصلية لها، وبينها المخاطر التى تتعرض لها الأمة جميعا وبأقطارها العديدة فى المشرق والمغرب وبين عناوينها المنظمات الإرهابية للتطرف الدينى التى استدرجت وتستدرج القوى العسكرية للغرب الاستعمارى إلى العودة إلى منطقتنا فى صورة «ملائكية» وكأنها آتية لتنقذنا من «الإرهاب» وهى التى رعت منظماته طويلا، وتغاضت عن عمليات تمويله ببيع النفط السورى والعراقى عبر تركيا حتى إلى إسرائيل فضلا عن المصادر الأخرى التى تعرفها يقينا.

ومن أسف أنها قمة حربية، بينما كان الرعايا العرب ينتظرون قمة للتضامن من أجل القضاء على الإرهاب ومنظماته الدولية التى تدمر أكثر من قطر عربى، وتهدد أقطارا أخرى بينها من أراد للقمة هدفا وحيدا وحقق مبتغاه.. على حساب قضايا الأمة والأمل بتوحدها لحماية مصيرها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved