صدمة مصر فى الكونجرس الأمريكى

علاء الحديدي
علاء الحديدي

آخر تحديث: الإثنين 1 مايو 2017 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

جاءت جلسة الاستماع التى عقدتها إحدى لجان الكونجرس الإمريكى حول المعونة الأمريكية لمصر يوم ٢٥ الماضى أكثر من صادمة، وهو ما دفع الإعلامى عمرو أديب فى برنامجه التليفزيونى إلى التعبير عن غضبه إزاء ما قيل خلال الجلسة قائلا «بلاها معونة».

كما أعرب المتحدث باسم الخارجية المصرية عن «الأسف الشديد للمنهجية والأسلوب الذى تم تنظيم تلك الجلسة به،……..، الأمر الذى أدى إلى خروجها بمثل هذا القدر من عدم الحيادية وتعمد القراءة السلبية للأوضاع فى مصر».

وكانت الصدمة أكبر فيما ذكره أعضاء من المجلس من المفترض أنهم من المؤيدين لمصر، وخاصة بعد أن استقبلوا وفدا مصريا واستمعوا إليه حول الأوضاع فى مصر والعديد من القضايا ذات الصلة. إذن السؤال المطروح الآن هو لماذا حدث ذلك؟

بداية، يجب علينا أولا أن نفهم بعض آليات العمل داخل الكونجرس، وخاصة فيما يتعلق ببند المساعدات الخارجية. الخطوة الأولى تبدأ بعرض مشروع بند المساعدات الخارجية الوارد فى الميزانية المقترحة على اللجنة الفرعية للاعتمادات الخارجية بمجلس الشيوخ للموافقة عليها. وبعد الموافقة يتم عرض هذا البند مع بنود أخرى تم مناقشتها فى لجان فرعية أخرى على لجنة الاعتمادات ككل للموافقة عليها بدورها. وأخيرا عرض الميزانية بأكملها فى جلسة عامة لمجلس الشيوخ. هذا ويتكرر نفس الأمر مع مجلس النواب. وفى حالة وجود اختلافات، وعادة ما يوجد، يتم عقد جلسة مشتركة ولكن ليس بكامل أعضاء المجلسين، ولكن بحضور ممثلين عن كل منهما، لإقرار الميزانية فى شكلها النهائى. إذا هى عملية طويلة ومعقدة، وما الجلسة المذكورة إلا البداية، ولكنها مهمة باعتبار أن اللجنة التى عقدتها هى الجهة المختصة بالموضوع، وعادة ما تقتضى برأيها بقية الجهات.

أما جلسات الاستماع، فإن لجان الكونجرس تلجأ عادة إليها إذا كان الموضوع المراد اتخاذ القرار فيه من الأهمية بحيث يستشعر معه الأعضاء بالحاجة إلى الإستعانة برأى من يرونه من الخبراء. ونظرا لأن المعونة المقدمة لمصر تعد ثانى أكبر معونة تقدمها الولايات المتحدة لدولة أخرى (١.٣ مليار دولار)، فمن الطبيعى أن يستشعر البعض أهمية التأكد من جدوى تقديم مثل هذا المبلغ الضخم، وهو أمر اعتيادى فى مثل هذه الحالات، وسبق حدوثه عدة مرات فى السنوات الماضية. وقد جاء عرض مشروع المعونة المقدمة لمصر فى إطار بدء الكونجرس بمجلسيه مناقشة مشروع ميزانية العام المالى المقبل. وهو المشروع الذى تقدمت به الإدارة الجمهورية الحالية بقيادة ترامب، ويتضمن العديد من التخفيضات التى طالت، ضمن ما طالت، وزارة الخارجية وبالأخص بند المساعدات.

إذا تأتى مناقشة الميزانية هذا العام فى ظل أجواء غير مواتية تعيشها واشنطن بعد أن رفع ترامب شعار «أمريكا أولا». وهو ما يعنى أولوية الإنفاق على المواطن الأمريكى، وليس الإنفاق على الدول والشعوب الأخرى من خلال تقديم المساعدات وغيرها. ويمكن فى هذا الإطار فهم دعوة ترامب الحلفاء فى الناتو إلى تحمل نصيبهم بالكامل من نفقات الدفاع عن بلادهم، وأن واشنطن على غير استعداد للاستمرار فى تحمل عبء هذه النفقات نيابة عنهم.

وفى ضوء ما تقدم، كانت جلسة الاستماع المذكورة والتى تميزت بتعليقات سلبية ليس فقط من الخبراء الذين استعدتهم اللجنة للشهادة، ولكن أيضا من أعضاء اللجنة من الشيوخ، سواء فى شكل سؤال أو تعليق. وبغض النظر عن دوافع المتحدثين أو من أين استقوا معلوماتهم، فإنه من الواضح أن لدينا مشكلة فى توصيل المعلومة الصحيحة إلى الجهة المناسبة. هنا أتذكر نصيحة أحد مساعدى أعضاء مجلس النواب لى أثناء فترة عملى بسفارتنا فى واشنطن عندما كنت مسئول العلاقات مع مجلس النواب بين عامى ١٩٩٣ ــ ١٩٩٤، بأهمية أن تجتاز المعلومات التى نقدمها ما كان يطلق عليه «اختبار المصعد». والفكرة ببساطة شديدة أن يتم تقديم المعلومة المراد توصيلها للنائب بشكل مبسط للغاية وفى بضعة أسطر لا تتعدى الصفحة الواحدة، يقرأها النائب المعنى فى المصعد حين يتحرك من جلسة إلى أخرى. فإذا كانت المعلومة مكتوبة بشكل جيد ومختصر، فإن النائب يستوعبها ويتذكرها بعد أن يغادر المصعد. أما أن يتم إغراق النائب بالعديد من التفاصيل وتقديم ملف ضخم له بالموضوع (وهو ما كنا نفعله ولذلك كانت النصيحة)، فإن ذلك لا يأتى بالنتيجة المرجوة وفيه إهدار لوقت الجميع. الدرس أن المعلومة وحدها لا تكفى مهما كانت صحيحة، الأهم طريقة العرض، ينطبق ذلك أيضا على العرض الشفهى.

الدرس الثانى الذى خرجت به يتعلق بمن يتم توجيه المعلومة إليه، إذ إن عضو مجلس النواب أو الشيوخ يستقى معلوماته أساسا من مساعده المختص بالموضوع المراد مناقشته. وعادة ما يجلس خلفه فى جلسات الاستماع لإمداده بالمعلومات والأسئلة التى يرى طرحها، مثلما يفعل معدو البرامج التليفزيونية مع مقدمى البرامج على الشاشة الصغيرة. وعليه فإن دور «المساعد» هذا يكون أكثر أهمية أحيانا من دور عضو مجلس النواب أو الشيوخ. وقد ذكرت هذين المثلين على سبيل المثال لا الحصر، فالصورة أكثر تعقيدا وبها العديد من التفاصيل التى لا يتسع المجال لشرحها هنا.

بيت القصيد أننا لا يجب أن نركن إلى تأييد الإدارة لنا أو التعويل على اتفاقها مع أهدافنا، فالإدارة ليست وحدها فى عملية صنع القرار، وخاصة إذا تعلق الأمر بشأن يمس بندا من بنود الميزانية. فالكلمة العليا هنا للكونجرس كسلطة تشريعية صاحبة القرار فى توزيع الميزانية وصرفها. حقيقة أننا ما زلنا فى أول الطريق، ولمصر أصدقاء فى المجلسين، ولكن ما حدث يدق ناقوس الخطر، وهو ما يستدعى جهدا متواصلا تشارك فيه جميع مؤسسات الدولة وعلى مدى العام، وليس فقط الزيارات الموسمية المصاحبة لزيارة رئيس الجمهورية. وأعيد التأكيد مرة ثانية وثالثة ورابعة على أهمية أن يكون لدينا مشروع أو نموذج يتم طرحه، حتى لا تتوالى علينا المفاجآت والصدمات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved