شباب طموح.. لكن أين الحكومة؟

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 1 أغسطس 2018 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

حصول أكثر من 53 ألف طالب على أكثر من 95% من مجموع الدرجات فى امتحانات الثانوية العامة الأخيرة، والتى خلت من الغش الجماعى والتسريب بشهادة القائمين على الامتحانات، تؤكد حقيقة يتجاهلها الكثيرون، وهى أن لدى الوطن عشرات الآلاف من الفتيان يحملون من الطموح والرغبة فى التفوق وتحقيق الذات ما يكفى لكى يصبروا ويثابروا على المذاكرة والتحصيل لمدة عام كامل، ليصطدموا بعد كل هذا الجهد الاستثنائى بحكومات عاجزة عن استيعاب هذا الطموح.
ولتبرير عجز الحكومة أو ربما فشلها فى استيعاب طموح هؤلاء الشبان الذين بذلوا جهدا جبارا للحصول على أعلى الدرجات، تنطلق أصوات، تنتقص من قدرات هؤلاء الطلبة وتتهمهم بعدم الفهم وبالاعتماد على الحفظ، والتلقين، دون أن يقولوا لنا كيف يمكن التفوق فى الفيزياء ومسائلها أو الكيمياء ومعادلاتها أو فى الرياضة البحتة والرياضة التطبيقية دون مستويات مرتفعة من الفهم والقدرة على المذاكرة والتحصيل؟
طريقة تعامل الحكومة ومن يواليها من رجال الإعلام، والتعليم، مع طلبة الثانوية العامة ومع الشباب بشكل عام، كارثية وتنطوى على تكرار كلام فارغ وربما كاذب، ليس له وجود على أرض الواقع. فرجال الحكومة يتهمون الشباب بالبحث عن «شهادة جامعية لمجرد المنظرة»، دون النظر إلى احتياجات سوق العمل، مع أن من يحلل نتائج تنسيق القبول فى الجامعات يدرك كذب هذه المقولة شكلا ومضمونا. فالإقبال على كليات الطب والهندسة ليس لأنها كليات قمة لكن لأنها ما زالت توفر لخريجيها فرص عمل مضمونة. ليس هذا فحسب بل إن كليات التمريض التى توفر فرص عمل جيدة لخريجيها تحظى بإقبال كبير أيضا، رغم أنها ليست من «كليات البرستيج». وعندما كانت كليات التريبة تضمن لخريجيها العمل فى مهنة التدريس كانت ضمن كليات القمة، فلما أن تخلت الحكومة عن خريجيها تراجع الإقبال عليها حتى هوت إلى المرحلة الثالثة فى التنسيق.
ليس هذا فحسب بل إن من ينظر إلى درجات القبول فى بعض المدارس الفنية التى تضمن فرص عمل لخريجيها مثل دبلوم التمريض ومدرسة البريد ومدرسة المياه والصرف الصحى سنجد أنها تجذب تلاميذ الإعدادية الحاصلين على أكثر من 90% من المجموع، فى حين أن الثانوى العام يقبل بأقل من ذلك كثيرا.
معنى هذا أن الشباب يبحث عن المسار التعليمى الذى يضمن له فرصة عمل جيدة، أكثر من بحثه عن «شهادة يتمنظر بها»، لكن الحكومة هى العاجزة عن توفير هذا المسار. فمصر تعانى عجزا فى مهنة التمريض ومع ذلك لا نفتح المدارس والمعاهد الكافية رغم الطلب الكبير عليها من جانب الطلبة، ما دفع المستشفيات الخاصة الكبرى لتستورد أطقم تمريض من دول آسيوية.
ومصر تعانى نقصا فى العمالة الصناعية المدربة، ليس لأن التلاميذ لا يرغبون فى التعليم الفنى، ولكن لأنه لا يوجد تعليم فنى حقيقى يضمن للخريج اكتساب المهارات اللازمة كما يضمن له الحصول على فرصة العمل المناسبة، وبالتالى تصبح معادلة الشاب هى «إذا كان الخيار بين عاطل يحمل شهادة متوسطة وعاطل يحمل شهادة جامعية فالأفضل عاطل جامعى».
معنى هذا أن شباب مصر يدفع ثمن عجز حكوماتها المتعاقبة عن استيعاب أو توظيف طموح شباب يراهن على جهده من أجل الارتقاء المهنى والاجتماعى، فلا يجد إلا أصواتا تسخر من جهده وتفوقه، وتعتبر الحصول على الدرجات المرتفعة دليلا على فشله وفشل النظام التعليمى، وليس دليلا على وجود كنز اسمه شباب طموح ومجتهد يحتاج إلى من يستوعب طموحه ويوظف هذا الاجتهاد من أجل خير الوطن، بدلا من السخرية منه والتقليل من شأنه.
أشرف البربرى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved