برلمان ضعيف أفضل من لا برلمان

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الثلاثاء 1 سبتمبر 2015 - 6:15 ص بتوقيت القاهرة

أخيرا سيكون لنا مجلس نيابى قبل نهاية هذا العام، حيث إن عملية الإعادة للمرحلة الثانية والأخيرة من الانتخابات البرلمانية سوف تنتهى فى الثانى من ديسمبر المقبل، طبقا لما أعلنته اللجنة العليا للانتخابات فى مؤتمرها الصحفى مساء الأحد الماضى.

المجلس المقبل لن يكون هو البرلمان المثالى الذى نتمناه ونحلم به، بل سيكون معبرا عن الصورة كما هى على أرض الواقع.

إذا قرأنا هذا الواقع فسوف نصل إلى نتيجة خلاصتها أن برلمانا ضعيفا أفضل من عدم وجود برلمان أصلا.

الواقع المرير يفرض علينا أن نرى الأمور كما هى، وليس كما نحلم بها، حتى يمكننا أن نبدأ فى التغيير إلى الأفضل.

بعض الحالمين أو المثاليين يتعاملون مع مصر وكأنها دولة اسكندنافية، حققت الرفاه الشامل خصوصا الاجتماعى والسياسى والاقتصادى لكل مواطنيها وينبغى أن يكون لديها برلمان مشابه لهذه البلدان.

الحالمون لا يرون الواقع، وإذا رأوه لا يفهمونه، وإذا فهموه لا يحاولون تغييره، ويفضلون دائما الوعظ والإرشاد والتنظير، بدلا من النزول إلى الملعب الحقيقى وهو الشارع، كى يحتكوا بالناس ويقنعوها ببرامجهم.

الخريطة الانتخابية معلومة للكافة منذ زمن طويل، الأحزاب هزيلة ومهترئة لأسباب كثيرة نعلمها جميعا، وأنظمة الحكم المختلفة حاصرت الأحزاب وفضلت النظام الفردى لضمان استمرار السيطرة على البرلمان وتأميم الحياة السياسية، مع هامش بسيط من المعارضة المستأنسة لزوم الديكور. وباستثناء انتخابات ٢٠١١ عقب ثورة ٢٥ يناير والتى تمت فى ظروف يصعب أن تتكرر، فإن الواقع على الأرض يقول إن القوى التقليدية والمالية هى الأقدر على الوصول للبرلمان، ليس لأنها الأفضل، لكن لأنها الأقدر على فهم اللعبة الانتخابية.

من سيملك المال سوف يستطيع دخول البرلمان، مع استثناءات قليلة لبعض الشخصيات العامة والكفاءات والخبرة، هذا هو الواقع الأليم والمحزن، والحل ليس أن نبكى على الأطلال ونستمر فى حديث الأوهام، بل أن نبحث معا عن أفضل الطرق للخروج من هذا النفق الذى يبدو بلا ضوء فى نهايته.

أن نصل إلى انتخاب برلمان حقيقى يعبر عن الناس، ويقودهم إلى الانطلاق للأمام وحل مشاكلهم، أمر جوهرى، الانتخاب لا يعنى شفافية الصندوق فقط، نحن جربنا الشفافية فوجدنا ثلثى المقاعد تذهب إلى الذين تاجروا بالدين وضحكوا على كثير من الناس ، وإذا كان تجار الدين قد يختفون إلى حد كبير فى هذه الانتخابات، فإن أصحاب المال السياسى الذين يريدون تأميم البرلمان لمصالحهم، مازالوا موجودين وجربناهم قبل 25 يناير 2011 وسيطروا على البرلمان وعاثوا فى الأرض فسادا.

والسؤال هو: متى يمكن التخلص أو على الأقل تقليل تأثير تجار الدين والفاسدين وتجار الوطنية على البرلمان؟!.

عندما ينجح المجتمع فى الانتصار على هذين الشرين، فسوف يكون قد بدأ السير على الطريق الصحيح. وقتها سوف يتفرغ فعلا للبناء والتنمية الحقيقية وإصلاح التعليم والصحة وسائر المرافق الخدمية.

وإذا حدث ذلك فسوف تكون هناك فرصة حقيقية لكى تكون هناك ديمقراطية فعلية، ومن دون وجود هذا المناخ، فلن يكون لدينا إلا ديمقراطية مزيفة وديكورية.

السؤال الجوهرى هو: كيف يمكن للقوى التى تقول عن نفسها ديمقراطية فى المجتمع ــ وأقصد بها المؤمنة بالدستور والقانون والدولة المدنية ــ أن تتخلى عن أنانيتها وهشاشتها وضعفها، وتبدأ فى بناء دولة مدنية حديثة فعلا لا قولا؟!.

إلى أن يحدث ذلك، فعلينا أن نرى الواقع كما هو حتى يمكننا تغييره.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved