خالد.. صالح

كمال رمزي
كمال رمزي

آخر تحديث: الأربعاء 1 أكتوبر 2014 - 7:35 ص بتوقيت القاهرة

داخل مدرسة التمثيل فى السينما المصرية تيارات متباينة، تقترب أحيانا، وتتنافر أحيانا، ومن الممكن أن تتابع مسيرة فنان، منتقلا من اسلوب لآخر.. لكن، إجمالا، ثمة اتجاهين رئيسيين.

أحدهما يعتمد على حيوية الصخب الانفعالى. الأداء الساخن، المباشر، يعلن عن نفسه بوضوح، مستخدما، بإسراف، أدوات التعبير جميعا، الصوت، الحركة، بالجسم والذراعين، الوجه، خاصة العينين.. يمتد هذا الاتجاه منذ ما قبل يوسف وهبى إلى ما بعد توفيق الدقن، مرورا بيحيى شاهين، أنور وجدى، أمينة رزق، فاطمة رشدى.. أما الاتجاه الثانى، المعتمد على عمق الأداء الداخلى، المتسم بالاقتصاد، والقوة الايحائية للنظرة والحركة والهمة، والقدرة على التعبير عن أشد الأحاسيس التهابا، بصوت منخفض، متنوع الألوان.. لعل زكى رستم، هو النموذج الأعلى شأنا، فى هذا المجال، معه نجيب الريحانى، فاتن حمامة، ليلى فوزى.. إلى أن يصل لخالد صالح، الذى يخطو به، خطوات واسعة للأمام.

فى مسيرته القصيرة، على شاشة السينما، تمكن ان يضع بصمته الخاصة على فن الأداء التمثيلى، وأصبح اسلوبه، عن جدارة، يستحق التحليل والدراسة.. وبينما تكتسب مجمل أدواره، قيمة ثمينة، فإن الشخصيتين اللتين قدمهما، بلمعان خاص، يتألقان فى «عمارة يعقوبيان» لمروان حامد 2006، و«هى فوضى» ليوسف شاهين وخالد يوسف 2007.

خالد صالح، أصلا، يتمتع بوعى سياسى، يتبدى واضحا فى مواقفه جميعا، والأهم، تلك الخبرة الإنسانية بالنماذج البشرية، تكوينها الداخلى، متاعبها وطموحاتها، قدراتها وطريقة تصرفها.. وهو يستوعب هذه العناصر، ليعبر عنها بطريقته المتميزة.

فى «عمارة يعقوبيان»، يؤدى شخصية «كمال الفولى»، والوزير الفاسد، الواسع النفوذ، المتواطئ فى أخذ وتوزيع الرشاوى.. يلتقى ماسح الأحذية القديم، الذى أصبح ثريا عن طريق تجارة المخدرات، يريد دخول مجلس الشعب، للتمتع بالحصانة النيابية.. طريقه، كمال الفولى، الهادئ، الواثق من نفسه، ومع كل لقاء يكشف خالد صالح جانبا من طبيعته.. مرة يأتى له منهكا، مما يشير إلى أنه قضى يومه فى عمل مضنٍ. يرتدى حلة ــ ليست فى أناقة التى يرتديها المليونير المحدث، الحاج عزام ــ بالإضافة إلى كرمشة جاكتتها، فمن الواضح أنه لم يغير ملابسه من أول النهار.

الحاج عزام، بأداء نور الشريف، مراوغ، كاذب، طماع، يغضب كمال الفولى عدة مرات.. لكن، ما من مرة يرتفع صوت خالد صالح، ولا ترتسم على ملامحه علامات النفور.. فقط، باقتصاد، وربما بنوعمة، وبنبرات واضحة، ونظرة تكاد تكون محايدة، يخطره أنه، والآخرون، يعلمون كل شىء عنه، وعن تجارته للمخدرات.

طوال اللقاءات المتوالية، حتى حين يتناول العشاء مع الحاج عزام، ينقل له، ولنا، إحساسا أنه على عجلة من أمره، صحيح، لا يعلن عن هذا مباشرة، لكن ــ وهو الراسخ ــ يكتفى بمجرد ململة، أو صمت مفاجئ، أو نظرة بعيدة عن محدثه.. خالد صالح، يوحى، ولا يصرح.

الانتقال من «كمال الفولى» إلى أمين الشرطة «حاتم»، فى «هى فوضى»، يعنى الانتقال من الفساد الناعم إلى الفساد الخشن.. إنه هنا، مخلب السلطة فى أسوأ صورها، ولا يفوته وهو يعمل لحسابها، أن يعمل لحساب نفسه أيضا.. فى أحد المشاهد القوية، المتقنة، نراه يلتهم أرغفة «الحواوشى»، بنهم يعبر عن دناءة متجذرة، يتابعه، صاحب المطعم، يرى الأوراق المالية التى تنهمر على طاولته، من طلاب الحاجات، كى يقضى مصالحهم.. كالعادة، يهم بالخروج من دون دفع ثمن الأرغفة.. صاحب المطعم، على استحياء، يقول «مافيش مرة تدفع لنا ورقة من اللى انت بتاخدهم.. عندئذ، يبدو خالد صالح كما لو أن عواصف الغضب اندلعت بداخله.. فورا، بلهجة حاسمة، قاطعة، يخطره بضرورة حضوره لقسم الشرطة للتحقيق معه فى محضر بروز فى دكانه، آن الأوان لإنهائه.. طبعا، يسقط فى يد صاحب الدكان.. شخصية أمين الشرطة، حسب أداء فناننا الكبير، وهى تكشف فساد نظام، يعبر أيضا عن حرمان رجل من العلم والثقافة والحياة السوية، وبالتالى، بدا وحشى الطباع، لا ضمير له.

إذا أردت المزيد، فعليك بـ«الريس عمر حرب» لخالد يوسف 2008، حيث إحدى تجليات خالد صالح، مجسدا شخصية أثيرية، متمتعا بحالة فريدة من الصفاء العقلى. يدرك أنه «مايسترو» صالة القمار، لا يسيطر فقط على ماكينات اللعب، بل يهيمن على الجميع. الكل يتحرك وفق إرادته، ولأن لا أحد من الممكن أن يعصى له أمرا، فإنه ليس فى حاحة إلى الإعلان عن قوته ونفوذه، وبالتالى يتحرك وعلى وجهه ابتسامة رضاء، فالمملكة، تسير على هواه، فى عينيه تسكن ثقة فى الذات، لكن، خلف القناع، ينبعث إحساس مروع، يرشق فى قلب المتابع، مؤداه أن هذا الرجل الذى يملك قوة مطلقة، فى جوهره، طاغية، بالغ الخطورة.. خالد صالح، مدرسة، لابد من تأملها.. مرات ومرات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved