المشارقة والمغاربة فى مكتبة الإسكندرية

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 1 أكتوبر 2018 - 10:35 م بتوقيت القاهرة

اعتبرها بعض المؤرخين بوابة للمغرب العربى، ورأى فيها البعض الآخر حضنا أصيلا للشوام العرب، فكان منطقيا أن تجمع الإسكندرية عددا من المؤرخين والدبلوماسيين وخبراء الاقتصاد والإعلاميين من مشرق الوطن العربى ومغربه لمناقشة العلاقات التاريخية التى تربط بين جناحى الأمة من المحيط إلى الخليج.
وغير بعيد عن أمواج البحر الهادئة فى هذا الوقت من العام، شهدت مكتبة الإسكندرية على مدى يومى 24 و25 سبتمبر الماضى، مؤتمر «العلاقات بين المشرق والمغرب العربيين: ماضيا وحاضرا ومستقبلا.. رؤى فى إعادة كتاب التاريخ».
المؤتمر الذى افتتحه د. مصطفى الفقى مدير مكتبة الإسكندرية، ود. عبداللطيف عبيد الأمين العام المساعد للجامعة العربية، مدير مركز تونس، حاول الابتعاد عن السياسة التى «تفرق»، وركز مشاركوه على العلاقات المشرقية المغربية فى شقها التاريخى والثقافى، وإن أطل البعض على الواقع المعاش بغية إعادة إحياء روابط عربية، أصابها الوهن والضمور.
د. الفقى الذى أكد أن انتماءات مصر مشرقية ومغربية على حد سواء، راهن على قدرة الجوانب الثقافية والحضارية والاجتماعية التى تجسد عمق العلاقة بين المشرق والمغرب فى اصلاح ما قد تفسده السياسة، فيما اختار د.عبيد التأكيد على أهمية الإسكندرية فى تدعيم الحوار بين المشرق والمغرب باعتبارها «دار المغاربة والشوام» على مدى التاريخ.
وعبر ست جلسات، شرفت بحضورها، بدعوة كريمة من مكتبة الإسكندرية، حاول المشاركون الامساك بالمجد من كل أطرافه، نابشين فى «أصول العلاقات المشرقية المغربية»، فتحدث على حمريت من تونس عن الأخوة الدائمة بين المشرق وبلاد المغرب متخذا من العراق وتونس نموذجا.
حمريت أشار إلى المصاهرة بين العرب والبربر، حيث خرج جيل جديد من المولدين، مذكرا بأن نساء البربر قدمن للشرق بعضا من رجالاته، فقد «أنجبت راح، أصيلة نفرة من بلاد الجريد بالجنوب التونسى، عبدالرحمن الداخل، مؤسس الدولة الأموية بالأندلس، وأنجبت سلامة، من تونس أيضا، أبا جعفر المنصور بانى الدولة العباسية».
الإطلالة التاريخية على المشرق والمغرب نسجت عليها د. حسناء داود من المغرب بالتركيز على العلاقة الفكرية والنضالية بين الجناحين، وزادت عليها د. إكرام عدننى من جامعة ابن زهر باغادير، بحديث عن عوامل الدين والهوية واللغة التى تربط بين المشارقة والمغاربة، وأكمل د.عبدالعزيز صلاح سالم من جامعة القاهرة الرؤية بورقة عن مظاهر أشاع التراث الحضارى الإسلامى بين مصر والمغرب.
وشهدت جلسة «الترحال الثقافى بين المشرق والمغرب»، التى تحدث فيها الباحث السورى محمد مرعى، سجالا حول عالم الاجتماع الأشهر ابن خلدون، بشأن ما إذا كان ساعيا للعلم والمعرفة فى ترحاله، أم متزلفا للحكام؟، بل ونعته البعض بـ«المنافق»، خاصة أنه كان قادرا، بشكل لافت، على الاقتراب من أهل السلطة، وهو ما فتح شهية المشاركين للحديث عن فساد النخب العربية، وأهمية تجديدها إذا كنا نريد إصلاح الواقع المعاش.
لم تستحوذ الجوانب التاريخية والثقافية وحدها على النقاش، فقدم الباحث العمانى د.على بن راشد المديولى ورقة عن دور الحركات التجارية فى خلق هويات المشرق والمغرب العربى «عمان نموذجا»، وتناول الخبير الاقتصادى المرموق د. محمد عبدالشفيع عيسى «نظرة فى التاريخ العام» على البعد الاقتصادى فى العلاقات المشرقية المغربية، وأظهر إلى أى مدى تأثير الاستعمار على ضعف الاقتصاد العربى حتى اليوم.
وفى جلسة ختامية كانت الأكثر حرارة، وأدارها الكاتب والباحث د.سامح فوزى، عن آفاق العلاقات المشرقية المغربية، قدم الباحث السعودى سعود السرحان «رؤية استشرافية»، لفت فيها إلى أن النخب العربية فى جهل تام بالآخر، فالنخبة المغاربية لا تعرف واقع المشرق، والعكس صحيح، مؤكدا أن ما يقود الواقع العربى حاليا «الشعبوية» بمفهومها السلبى.
وعلى الرغم من سعى بعض أوراق المؤتمر لرصد طبيعة العلاقات بين المشرق والمغرب فى الوقت الراهن، كان الحديث عن آليات إعادة تلك العلاقات إلى عهودها الأكثر إشراقا فى حده الأدنى، لكن هذا النقاش الرصين تخلص منه إلى أن ما يجمع المشرق بالمغرب أكثر من أن يحصى، غير أن غياب الإرادة السياسية لها تأثيرها الأهم فى التقارب أو التباعد بين العرب مشارقة كانوا أم مغاربة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved