اللى يحب مصر

أهداف سويف
أهداف سويف

آخر تحديث: الأربعاء 2 مارس 2011 - 9:44 ص بتوقيت القاهرة

 يوم الخميس ٣ فبراير، عديت الضهر أخدت ابنى من الشقة اللى كان بايت فيها. دى الشقة ـ أو واحدة من الشقق ـ اللى الشباب المصرى قدر يوَصَّل لها النت لما النظام قطعها عن البلد؛ فكان عدد من الشباب بيتناوب ما بين الشقة الميدان، يعرفون الأخبار ويكتبوها ويبعتوها، وكمان يجيبوا معلومات يوصلوها للميدان. (و«الميدان» حاف كده دلوقتى أصبح طبعا بيتفهم بيه ميدان التحرير).

ده كان الخميس اللى بعد الأربعاء اللى نزلت فيه ميليشيات البلطجية وعملت موقعة الجمال والخيل والأسطح والمولوتوف. والشباب كانوا فى الميدان طول الأربعاء، بيقاتلوا وبيكسروا حجارة وبيشيلوا جرحى وبيصوروا وبيبعتوا «تويتس». وراحوا على الشقة نحو الساعة خمسة، بعتوا الأخبار والصور على النت، وناموا ساعتين، وجِهزوا للخروج تانى.

نزل ابنى ومعاه اتنين عرفنى عليهم، حنسَمّيهم كريم وآدم. كريم مصرى، مولود ومتربى فى أمريكا، ويقيم ويَدْرس فى تكساس. آدم، زى أولادى، أمه مصرية وأبوه خواجه. وهو بيِدْرس فى لايدن بهولندا. كريم كانت عينيه الإتنين وارمة ومزرقة ــ من الطوب اللى انضرب بيه، وآدم كان مجروح فى قورته، فوق عينه الشمال.

كل واحد منهم، برضه زى ابنى، يادوب استحمل يومين بعد اندلاع الثورة وأخد بعضه وجه على مصر. واللى جابهم الإحساس بالانتماء، والإحساس بالـ«لزوم»، يعنى أن الواحد أصبح له لازمة، والجهد اللى حيعمله أى فرد ممكن يِفرِق فى الشأن العام. ده الإحساس اللى عبر عنه الهتاف الملهَم: «شدى حيلك يا بلد / الحرية بتنولد»، واللى نَزِّل الملايين من بيوتها، وكمان اللى جعل من الميدان (والـ«ميدان» هنا اختزال لكل الشوارع المصرية الثائرة) ملتقى لكم كبير من المصريين اللى عايشين ـ لسبب أو لآخر ـ فى الخارج.

ظاهرة الشباب ــ واللى مش شباب قوى ــ اللى نزل مصر ونزل الميدان، ورغبتهم الجارفة فى المساهمة، والقدرات المتنوعة والخبرات المختلفة والشبكات الواسعة اللى يقدروا يسخروها لخدمة البلد، ظاهرة ملفتة ومهمة وتدعو إلى تفاؤل كبير. ويقدر عدد المصريين الموجودين بالخارج بنحو ٤ ملايين. هؤلاء الناس ضرورى جدا يصبحوا جزءا من الحياة السياسية والحياة العامة فى مصر، فنرجو، وبشدة، أن أى مقترحات وتغييرات تتمخض عنها عملية التعديل الدستورى الجارية الآن، وأى قرارات يتخذها المجلس العسكرى فى هذا الشأن تكون موجهة لتفتح الأبواب أمام هذا الزخم وهذه الحماسة التى هتفت فى جمعة الرحيل: «اللى يحب مصر / ييجى يصلح مصر!»

كتب لى ابنى من الطيارة التى ركبها مضطرا بعد أسبوعين فى الميدان:

«جعلنا من ميدان التحرير مكانا له قوة أزاحت رأس النظام، ودلوقتى فرصتنا نجعل من بلدنا نموذج ينوَّر للعالم طريقه نحو العدالة والمساواة للإنسانية كلها.» يا رب!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved