ملاحظات حول قرار المقاطعة

رباب المهدى
رباب المهدى

آخر تحديث: السبت 2 مارس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

منذ أعلن التيار الشعبى عن مقاطعته الإنتخابات البرلمانية المقبلة ثم تبعه إعلان موقف حزب الدستور، ومن بعده جبهة الإنقاذ وهناك جدل حول الموقف السياسى الأنسب فى هذه اللحظة. والحقيقة أن الانتخابات ما هى إلا واحدة من آليات التغيير، وما هى إلا لقطة من مشهد سياسى أكثر تعقيدا يضم فى جنباته أشكال مختلفة من الاحتجاج الشعبى، وبالتالى المقلق ليس قرار المقاطعة فى حد ذاته (لأن الانتخابات برمتها ليست اللحظة الفاصلة فى مسار الثورة)، لكن ملابساته التى تنبئ عن مأزق تاريخى لغياب القيادة حتى هذه اللحظة. هناك أربع ملاحظات فى هذا الصدد تبدأ من موقف المقاطعة لكنها ــ فى تقديرى ــ تتخطاها لما هو أبعد من ذلك لتشمل الأداء السياسى لجزء كبير من المعارضة.

 

•••

 

أولا، نزعة التطهر الثورى ومحاولة إلباس الموقف السياسى الخالص ثوبا أخلاقيا. فنرى التيار الشعبى وعلى رأسه الأستاذ حمدين صباحى يعلن المقاطعة منفردا ثم يليه الدكتور محمد البرادعى، فى تسابق على تسجيل مواقف حتى دون التنسيق مع شركائهم فى الجبهة وهو ألف باء العمل المشترك. التسابق على تسجيل هذا الموقف وتبيانه على أنه الموقف «الأخلاقى» الوحيد وليس فقط الموقف السياسى الصحيح يحمل عدة مخاطر للأداء السياسى لأحزاب المعارضة. فبينما البعض يزايد ويتمسح فى عباءة الدين لإكساب مواقفه السياسية شرعية زائفة تنزلق المعارضة للمزايدة بالأخلاقية بدل تأسيس الموقف على منطق سياسى، وهو ما يضعف منطق المقاطعة خاصة وإن أحزاب جبهة الإنقاذ وبعض قياديها قد شاركوا سابقا فى انتخابات ٢٠١٠ تحت حكم مبارك وبضمانات أقل كثيرا، ثم فى انتخابات ٢٠١١ تحت حكم العسكر والتى تزامنت مع مذبحة محمد محمود فى نوفمبر من العام نفسه. وبالتالى محاولة بناء موقف المقاطعة على أساس أخلاقى يفتح الباب لتساؤل حول مدى اتساق مواقفهم، فالأجدى هنا هو محاولة شرح الفرق فى الموقف السياسى وبالتالى فى مناسبة تكتيك المقاطعة من عدمه.

 

ثانيا، لم تبذل الجبهة المجهود الكافى فى محاولة بناء مقاطعة قوية فبينما أعلنت موقفها كانت بعض الأحزاب من أعضاء الجبهة تناقش بشكل منفرد نزول مرشحيها بشكل مستقل للالتفاف على قرار الجبهة التى من الواضح أن بعض الأحزاب لا تستطيع الالتزام به. فهناك إشكالية أن الأحزاب على خلاف الحركات السياسية ومنظمات المجتمع المدنى والنشطاء هى بالتعريف أوعية للمنافسة السياسية مجالها الأساسى هو مضمار الانتخابات، وبالتالى فإن قرار المقاطعة يطرح عليها السؤال الصعب حول آلية عمل أعضائها فى ظل هذا القرار ومدى إمكانية تواصلهم مع الجماهير وما سوف تكون الآليات البديلة لعمل ذلك وكيفية تعويضهم للخبرة المتراكمة من المشاركة فى الانتخابات.

 

ثالثا، لم تطرح الجبهة سيناريو متكاملا لتصورها عن ما بعد المقاطعة، أو الإجابة عن سؤال ماذا بعد؟ البعض يرد ولكن ماذا بعد المشاركة أيضا. والحقيقة أن هناك فارقا كبيرا، ففى ذهن قطاع واسع من الجماهير المشاركة فى الانتخابات تتيح التغيير وتطرح بدائل، فحينما تشارك تستطيع تشكيل برلمان متوازن وربما حكومة تأتى بالسياسات التى تدافع عنها، وتستبدل بها سياسات خصمك التى ترفضها، فى حين أن عدم المشاركة يحرمك من هذه الفرصة وعليه فمن واجب جبهة المقاطعة إيضاح بدائل آليات التغيير فى هذه الحالة. أزعم أن جزءا مهما من فوز «نعم» فى استفتاء مارس ٢٠١١ كان مرتبط بوجود خارطة طريق واضحة لهذا المسار (برغم عواره)، وبالتالى فإن عبء الإثبات يقع على المطالبين بالمقاطعة ليس لخطأ موقفهم بشكل مبدئى، لكن لأنه يستلزم طرح بدائل ليست بوضوح بديل المشاركة وليست معلومة للرأى العام بالضرورة.

 

رابعا، جاء جزء من تأسيس موقف المقاطعة بوضعه فى الثنائية الخاطئة التى تصور أن هناك مسارا سياسيا تمثله الانتخابات وبناء المؤسسات ومسار «ثورى» يتمثل فى الاحتجاج الشعبى من مظاهرات واعتصامات إلى آخره، وأن علينا الاختيار بين المسارين. والحقيقة أن هذا الفصل التعسفى بين المسارين لا يجوز وليس حقيقيا فى اللحظة الثورية الممتدة منذ يناير ٢٠١١. فالمساران مرتبطان شئنا أم أبينا، فالانتخابات لا تغنى عن ضغط الشارع وأشكال التعبير السياسى الأخرى، كما أن التواصل السياسى مع الجماهير عن طريق الحملات الانتخابية يجوز أن يكون محفزا لأشكال الاحتجاج الأخرى وإعادة بناء المؤسسات بشكل جذرى، وليس إصلاحيا كما تراه السلطة الحاكمة. وليس من قبيل العبث السياسى أو التواطؤ مثلا أن شارك البلاشفة بقيادة لينين فى انتخابات برلمانية فى أوج الثورة الروسية فى ١٩١٧. والمدهش فى الأمر أن قبول هذه الثنائية المفتعلة بين ما يسمى المسار «السياسى» والثورى» هو بالأساس فى هذه اللحظة نفس المنطق الإصلاحى المحافظ الذى تتباه جماعة الإخوان المسلمين لمحاولة إسكات أشكال الاحتجاج الشعبى بدعاوى بناء المؤسسات.

 

•••

 

هذه الملاحظات لا تندرج فقط تحت مناقشة قرار المقاطعة ولكنها إشكاليات أوسع تتطلب منا التفكير والعمل سريعا على بناء شكل معارضة جديد. نحن فى مأزق تاريخى بين سلطة رجعية لا تختلف كثيرا فى مضمون سياساتها عن النظام السابق، ومعارضة لا تملك رؤية كلية حول بدائل وسبل التغيير بعيدا عن سياسة رد الفعل وانتقاد مثالب الإخوان التى أصبحت من المعلوم بالضرورة.

 

 

 

أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved