ماذا ينتظر العرب فى واشنطن؟

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الأحد 2 أبريل 2017 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

ثمة شىء يطبخ فى العاصمة الأمريكية لم تتضح معالمه الأخيرة، ينتظر زيارة ثلاثة من القادة العرب: الرئيس المصرى «عبدالفتاح السيسى»، والعاهل الأردنى «عبدالله الثانى»، ورئيس السلطة الفلسطينية «محمود عباس».
لكل زيارة جدول أعمالها الذى يخص طبيعة العلاقات الثنائية مع الساكن الجديد للبيت الأبيض، لكن ما يجمع بينها ملفان متداخلان على درجة عالية من الحساسية، فلكل موقف اعتبار فى موازين القوى بأكثر أقاليم العالم اشتعالا بالنيران، ولكل حركة حساب فى سيناريوهات المستقبل المنظور.
الملف الأول، الحرب على «داعش» والتنظيمات المتطرفة الأخرى، شاملا الدعوة لحلف عسكرى بقيادة الولايات المتحدة يطلق عليه مجازا «ناتو عربى»، دون أن يكون معلوما كيف.. ولا أين ميدان المواجهة؟
فى ذلك الطرح المنتظر فجوات وتناقضات، فالرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» قد هاجم بضراوة أثناء حملته الانتخابية حلف «ناتو» من حيث جدواه، بالنظر إلى التكاليف المالية، التى تتحملها الولايات المتحدة فى موازنته، قبل أن يخفف من تلويحه بالانسحاب من عضويته تحت ضغط الحقائق.
فالدور الأمريكى القيادى فى أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية استند أساسا على قوته العسكرية وما توفره من مظلة حماية للدول الأوروبية التى انخرطت فيما سمى «التحالف الغربى».
أى انسحاب محتمل تراجع فادح للوزن الاستراتيجى للقوة الأمريكية.
تلك مسألة تفوق قدرته، وقدرة أى رئيس آخر، أن يبت فيها دون خطوط حمراء توقفه فى «البنتاجون» والاستخبارات والكونجرس.
هكذا تتحدث الحقائق الأمريكية، فيما تجاهلت دعوته إلى «ناتو عربى» كل حقيقة فى الشرق الأوسط والصراع فيه على مدى سبعين سنة.
ثم إن الإرث التحررى فى خمسينيات القرن الماضى بقيادة «جمال عبدالناصر» فى رفض أى أحلاف عسكرية ما زال ماثلا وملهما.
سعت الإدارة الأمريكية وقتها لإنشاء «حلف بغداد» باسم «ملء الفراغ»، الذى ترتب على الهزيمة السياسية للإمبراطوريتين السابقتين البريطانية والفرنسية فى حرب السويس عام (١٩٥٦).
لم يكن «عبدالناصر» وحده، ولا مصر وحدها، فى معركة رفض الأحلاف العسكرية، وقد حسمت بإرادة عربية شعبية كاسحة لا سبيل لإنكارها.
بأى نظر للأمن القومى العربى، أيا كانت درجة انكشافه، فإنه لا مصلحة واحدة للانخراط فى مشروع «ناتو العربى»، و«ترامب» ليس لديه أى إجابة ممسوكة بشأن استراتيجيته فى الحرب على الإرهاب تسوغ أى كلام فى مثل ذلك المشروع.
لا إجابة واحدة مفهومة لما تقصده إدارته بالضبط من «المناطق الآمنة» فى سوريا، وإذا ما كانت تؤسس لتقسيم محتمل كأن تنشأ دويلة كردية تنضم إلى كردستان العراق.
ذلك سيناريو تناهضه تركيا بكل قوتها العسكرية والدبلوماسية، دون أن يكون هناك موقف عربى حاضر ومؤثر للحفاظ على وحدة التراب السورى، بعيدا عن الكلام العام.
ولا إجابة واحدة مفهومة لحدود التدخل العسكرى الأمريكى فى الموصل والرقة ومناطق أخرى بالعراق وسوريا.
هناك إشارات خطرة توحى بالتقسيم المحتمل للبلدين العربيين، كالكلام عن أن القوات الأمريكية التى ترسل لميادين القتال لن تغادرها بعد انتهاء الحرب على «داعش».
هكذا فإن ملف الحرب على الإرهاب وتبعاته، الذى ينتظر القادة العرب الثلاثة بالبيت الأبيض، ملغم بالأسئلة الحرجة فى لحظة رسم خرائط وتقرير مصائر والتنبه ضرورى لمكامن الخطر.
بالوقت ذاته فإن الملف الثانى؛ مشروع تسوية جديد للصراع العربى ــ الإسرائيلى؛ هو حقل ألغام كامل ينذر بالوقوع مجددا فى أوهام التسوية مع إسرائيل دون أن يكون هناك دليل واحد مقنع على استعدادها للانسحاب من أى أرض محتلة فى الضفة الغربية، أو الجولان السورية.
كأن الكلام عن التسوية دون أن تكون هناك خطة جدية هو طبيعة المشروع الجديد الذى يعتزم «ترامب» طرحه.
أرجو ألا نتناسى تصريحات «ترامب» عند لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» فى البيت الأبيض، التى تماهت مع أكثر المقولات الصهيونية غلوا وتشددا.
لم يعترف بـ«حل الدولتين» ولا أى مرجعية دولية دأبت على الاستناد إليها كل المبادرات التى سعت لتسوية ما للصراع العربى ــ الإسرائيلى، وتحدث باستخفاف عن القرار التاريخى الذى أصدره مجلس الأمن الدولى قبل أيام من دخوله البيت الأبيض بإدانة بناء المستوطنات فى الضفة الغربية، ضغط لمنعه وتعهد بإلغائه.
كما تعهد بنقل سفارة بلاده إلى القدس، طارحا فكرة «الدولة الواحدة» قاصدا «الدولة اليهودية»، التى تمهد بالضبط لأوسع وأخطر عملية تهجير جماعى لفلسطينيين (١٩٤٨).
لماذا يقدم رجل هذه أفكاره المعلنة ــ الآن ومبكرا عما هو معتاد من الرئاسات الأمريكية المتعاقبة ــ على مبادرة سلام فى الشرق الأوسط؟
الفرضية الأولى: أنه راجع انحيازاته الرئيسية، التى كشف عنها بلا مواربة، وأنه توصل إلى أن الحرب مع «داعش» التى تمددت نيرانها إلى عواصم غربية كبرى لن تحسم، والإقليم كله لن يستقر، قبل التوصل إلى تسوية للصراع العربى ــ الإسرائيلى.
غير أن تلك الفرضية التى يتبنى منطقها أطراف أوروبية عديدة ــ على رأسها فرنسا ــ لا تستند فى حالة «ترامب» إلى أساس يرجحها.
كما لا يمكن لرجل صعد بخطاب شعبوى يعادى المهاجرين والأقليات والمرأة والحريات الصحفية أن يصبح بين يوم وليلة «رجل سلام«!
الفرضية الثانية: أنه يحاول الخروج من أزمته الداخلية المستحكمة من بوابة «الشرق الأوسط»، كرجل يدعو للسلام وتحيطه كاميرات وأضواء فى مهمة مقدسة عجز عنها غيره.
تلك فرضية شبه مؤكدة، فهو مأزوم ومحاصر داخل المجتمع الأمريكى، وقد تقوضت شعبيته بصورة متسارعة كما لم يحدث مع أى رئيس آخر.
بأحكام قضائية خسر رهانه على منع دخول مواطنى دول ذات أغلبية مسلمة الأراضى الأمريكية، بزعم أنهم يمثلون خطرا إرهابيا محتملا.
وبمناهضة من داخل حزبه الجمهورى ــ صاحب الأغلبية فى الكونجرس ــ خسر رهانه على إلغاء مشروع «أوباما كير».
الديمقراطيون يتتبعونه باتهامات خطيرة عن الدور الروسى فى إنجاحه بالانتخابات الرئاسية، والجمهوريون قد يتخلون عنه فى التحقيقات الجارية إذا ما زادت تكاليف حماقاته على أى طاقة تحمل.
والأوروبيون من يمين ويسار تقليديين يرون فيه ظهيرا سياسيا للشعبوية الجديدة، التى تنذر بتقويض القيم الحديثة فى الحريات العامة وحقوق الإنسان والتنوع والتعايش بين الأقليات والأديان.
تكاد صورته كرجل يصلح لإدارة مصالح دولة كبرى كالولايات المتحدة أن تكون قد تحطمت، أغلب «الميديا» والمراكز الأكاديمية والبحثية وهوليوود والمرأة تؤكد المعنى نفسه وتلح عليه.
وفق تلك الفرضية المرجحة فهو يحاول أن يهرب من أزماته الداخلية بمزاعم اقتحام أزمة مستعصية عجز عن حلها أسلافه من الرؤساء الأمريكيين السابقين، لكن أى تسوية؟
ذلك السؤال ما ينبغى طرحه على رجل البيت الأبيض المأزوم.
هذه هى المرة الأولى فى تاريخ الصراع العربى ــ الإسرائيلى التى تطرح مبادرة بلا أسس ومرجعيات، كأن المطلوب أن تدور عملية التسوية كطاحونة بلا طحن.
باليقين فإن ما صدر من قرارات عربية فى «قمة البحر الميت» بشأن القضية الفلسطينية لا يعول عليها كثيرا فى مواجهة الخطر المقبل، لكنها حائط صد أولى أمام موجات الضغوط المتوقعة لا ينبغى التهوين منها.
التشديد على أن المبادرة العربية «سبيل وحيد للحل» فى هذه اللحظة خطوة تجمح أى تنازلات مجانية من هذا الطرف أو ذاك.
وفق المبادرة فإن التطبيع الكامل يقابله انسحاب شامل من الأراضى العربية المحتلة منذ عام (١٩٦٧).
كما أن التأكيد على «حل الدولتين» حجر عثرة آخر، مدعوما من أطراف دولية مؤثرة أمام ما قد يقترحه «ترامب».
إذا ما جرى أى تنازل مجانى جديد يدمج إسرائيل باسم «السلام الدافئ» دون أن يكون هناك سلام، أو انسحاب من الأراضى المحتلة، فالأثمان سوف تكون باهظة والحساب عسير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved