جوجل تعرف كل شىء

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الأربعاء 2 يوليه 2014 - 4:40 ص بتوقيت القاهرة

كانت السلة تتدلى من نهاية الحبل تنتظر بائعا ليضع فيها حصة أصحابها من الخبز، وترتفع لتنزل مرة أخرى لبائع آخر يضع فيها صحف الصباح، هكذا كان يجرى تسوق بعض حاجات البيت. لا أذكر أن يدا امتدت لتسرق ما فى «الأسبتة» المدلاة بل كثيرا ما باتت قيمة المشتريات فى السلال حتى الصباح أو بقيت المشتريات فيها بعض الوقت فى انتظار من يرفعها.

•••

رأيت على شاشة التليفزيون شيئا كالعنكبوت ولكن بأجنحة كالمراوح. حجمه لا يزيد عن حجم الصندوق القابع فى مؤخرة الموتوسيكل الذى يحمل الأكلات السريعة إلى طالبيها، رأيته يقترب من شباك فى إحدى البنايات، فيتدلى منه سلك معدنى فى نهايته علبة، امتدت إليها يد من الشباك تسحبها من السلك المتدلى من الطائرة. ما أن تفرغ الطائرة العنكبوتية حمولتها حتى يرتفع السلك إلى أعلى، وتطير الطائرة عائدة إلى مكان إطلاقها، أو إلى وجهة أخرى. أما صاحب الشقة الذى استلم العلبة فيدخل ليفتحها ويخرج منها فطيرة البيتزا، فطيرة ساخنة مغطاة بطبقة سميكة من جبنة الموتساريلا، وصلت محتفظة بقوامها بين السيولة والتماسك ورائحة البيتزا الشهيرة تفوح فى أنحاء المسكن. انتهى المشهد بإعلان عن محل فى حى من أحياء مدينة موسكو يخبز البيتزا ويرسلها إلى المستهلك فى طائرة بدون طيار. يؤكد الإعلان على سرعة التوصيل فلا زحمة مرور ولا حوادث طرق يمكن أن تعيق وصول البيتزا فى ثوان إلى هدفها.

•••

فى اليوم التالى كنت أقرا خبرا عن عقود بملايين الدولارات دفعتها دوائر الشرطة فى مدن أمريكية عديدة مع شركات تنتج الطائرات بدون طيار، هذه الطائرة العنكبوتية الشكل التى رأيتها تنقل علبة البيتزا إلى مشترى يقطن الدور الرابع من بناية فى وسط مدينة موسكو، سوف تقف أمام شباك بيتى أو بلكونة جيرانى لتسجل ما يدور بين قاطنيها من أحاديث وتلتقط صورا وأفلاما لهم وهم يمارسون تفاصيل حياتهم الخاصة. دافع المسئولون عن استخدام هذا النوع من الطائرات بأنها ستخصص لمراقبة المجرمين والمهربين والإرهابيين، وليس للتنصت على مواطنين «شرفاء». ثم لماذا هذا التحامل على سلطات الأمن، مَن مِن «الشرفاء» منعه الشرف أو الأخلاق الكريمة من ممارسة فضيلة الفضول ليتعرف على خصوصيات شرفاء آخرين باستخدام تكنولوجيات الشركات والشبكات العنكبوتية.

•••

معروف أن شركة جوجل، تمتلك شركة تحمل اسم نست Nest، وهى شركة تخصصت فى صنع أنظمة لتشغيل جميع الأجهزة والأدوات المنزلية الإلكترونية بتناسق وتكامل وعن بعد. هذه الشركة، بدورها تتعاقد مع شركة متخصصة فى أنظمة أمن المساكن، لذلك فهى تحتفظ بخرائط داخلية لجميع مساكن الحى أو المدينة. يقول المسئولون فى الشركتين أنه صار فى الإمكان الآن ضبط درجة حرارة البيت أوتوماتيكيا وتشغيل فرن المطبخ وسخان الحمام وإعداد الفراش بمجرد أن يشير مؤشر الترموستات إلى تلقيه رسالة تفيد بمغادرة صاحب البيت محل عمله متوجها نحو سيارته التى ستقله إلى مسكنه.

بكلمات أخرى: الشركة الأم وهى جوجل لديها إمكانات تسمح لها بمراقبة مسكنك من الخارج على امتداد الليل والنهار وبخاصة بعد أن تعاقدت على شراء شبكة أقمار اصطناعية بمبلغ 500 مليون دولار، أما وقد اشترت جوجل شركة نست لأنظمة الأجهزة المنزلية، وهذه بدورها اشترت شركة أنظمة أمن خاصة للمساكن، فقد أصبح فى إمكان شركة جوجل أن تعرف أى شىء عن أى شخص فى أى لحظة. المثير فى الموضوع هو رد رئيس شركة أنظمة أمن المساكن عندما واجهه أحد الصحفيين بهذا الاحتمال. رد بأن شركة جوجل كانت تعرف كل شىء عن أى شىء حتى قبل أن تستعين بنا.

•••

جوجل تعرف كل شىء. تعرف أين أنت، وتعرف ماذا تفعل وماذا تقول وماذا تكتب، ولعلها تطمع فى معرفة ما فى النوايا والصدور.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved