المسرح خالٍ للأمريكيين والروس.. وإيران

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 2 أكتوبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لابد من مواجهة الحقيقة مهما كانت مؤلمة: لم يعد للعرب وجود مؤثر على المستوى الدولى إلا كموضوعات أو عناوين لقضايا كانت مقدسة، ذات يوم، وكانوا يكبرون بها ويفرضون وجودهم من خلال إثبات جدارتهم بالدفاع عنها، وهى قد غدت الآن فى أيدى غيرهم، وغالبا ما تستخدم ضدهم فى يومهم وفى غدهم.

وها هى الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة تؤكد غياب «العرب» وان كانت مآسيهم، بعنوان سوريا، قد شغلت هذا المنتدى الدولى، حاصرة القرار حولها فى أيدى «الخمسة الكبار» الذى يمكن اختصارهم بالولايات المتحدة الأمريكية وخصمها السابق ندها الآن وشريكها فى المستقبل: الاتحاد الروسى.

وحتى فى مسألة سوريا، بنظامها والحرب الأهلية فيها، ومستقبلها الغامض، انقسم أهل النظام العربى إلى ثلاثة فرقاء:

1ــ فريق قام بدور المدعى العام مستهدفا نظام الرئيس بشار الأسد موجها إليه اتهامات جنائية خطيرة عنوانها مسئوليته عن حرب إبادة تشنها قواته ضد الشعب السورى، بنسائه وأطفاله قبل الرجال، مستخدمة فيها السلاح الكيماوى. وكان الهجوم شرسا بأكثر مما يمكن أن يصدر عن عدو وجودى وتاريخى مثل إسرائيل، فأصاب سوريا الدولة والوطن وشعبها أكثر مما أصاب نظامها.

وقد خدم هذا الفريق بغلوه، فى العداء كل أعداء الطموح العربى إلى مستقبل أفضل وفى الطليعة إسرائيل، إذ ناب عنها فى تصوير «العرب» عموما أعداء للإنسانية، يأكلون لحوم أهلهم نيئا ولا يحترمون المواثيق، وهم خارج العصر.

2 ــ وفريق قام بدور محامى المتهم بغير حماسة، وبهدف حماية سوريا كدولة ووحدة شعبها أكثر مما يهدف إلى حماية نظامها.

فدول الخليج ممثلة فى الأمير سعود الفيصل، يسانده من موقع «المزايد» أمير قطر الجديد الذى جاء يقدم أوراق اعتماده إلى العالم، الشيخ تميم بن حمد، تولت الهجوم الكاسح الماسح بحيث بات الدفاع صعبا.. ومكلفا، إذ سيثمن بالذهب.

3 ــ وفريق ثالث «غاب عن السمع» منتظرا نهاية المعركة ليتخذ موقعه بحسب نتائجها، متخذا من البدعة اللبنانية الجديدة «النأى بالنفس» نموذجا يكفى المؤمنين شر القتال وحتى الكلام، مكتفيا بالإيماء والإيحاء ولغة العيون.

أما فلسطين، بكل جلال قضيتها، فقد استمر موقعها هامشيا، لاسيما بعدما تركها أهل النظام العربى لمصيرها وسط انشقاق شعبها وتوزعه ـ بقوة الاحتلال الإسرائيلى وتنصل العرب منها ــ على «دولتين» ليس لأى منهما مبرر وجود فضلا عن القدرة على الصمود للحصار، من الداخل والخارج، والذى يكاد يبلغ حد التجويع وفرض التخلف بالأمر.

●●●

بداية، غاب معظم الملوك والرؤساء العرب عن هذه الدورة التى كان واضحا أنها ستشهد تبلورا لتحولات مؤثرة على المستوى الدولى، أبرزها فى العلاقات الأمريكية ــ الروسية، واستطرادا بين (المعسكرين القديمين ــ الجديدين)، وأخطرها ما يتصل بالعلاقات الأمريكية ــ الإيرانية.

أما المفاجأة التى تحولت إلى حدث محورى فى هذه الدورة فكانت حضور الرئيس الإيرانى الجديد، الشيخ حسن روحانى ومعه وزير الخارجية محمد جواد ظريف، والتى وصلت إلى ذروتها عبر الاتصال الهاتفى الذى تم بينه وبين الرئيس الأمريكى باراك أوباما، والذى اعتبره المراقبون «بداية عصر جديد» فى العلاقات الأمريكية ــ الإيرانية بكل التداعيات المحتملة على مستويات عدة أبرزها فى منطقة الجزيرة والخليج، مع التمدد إلى العراق وسوريا وصولا إلى لبنان، فضلا عن الشرق الإسلامى جميعا.

لقد كان نجم الدورة فى يومها الأول الرئيس الأمريكى أوباما، بخطاب الانتصار الذى أطل به على الجمعية العامة، التى احتشد فيها العديد من رؤساء الدول وممثليها، والذى كان بعنوان استصدار القرار الدولى بتدمير السلاح الكيماوى فى سوريا، وإعلان دمشق التزامها به.

وكان من حق اوباما أن يزدهى بنصره الذى تحقق له سلما بعدما كان لوح بالحرب وان هو حجمها على شكل «ضربة جوية» لقدرات سوريا العسكرية وسط تهليل العديد من الأنظمة العربية... ومؤكد أن بعض هؤلاء قد شعروا بالخيبة حين اكتفى الرئيس الأمريكى بنصره الدبلوماسى الذى وفره له الروس بقيادة الرئيس بوتين، والذى قضى بتسوية ترضى واشنطن وتحفظ النظام فى دمشق، فى آن، وإن خسر هذا النظام سلاحه الكيماوى.

ولأن الصفقة ثنائية فقد تحول «الكبار» فى الأمم المتحدة، أوروبيون وآسيويون ولاتينيون إلى «ضيوف شرف»، وترك لكل منهم أن يحفر لنفسه موقعا فى مشروع الحل، إن لم يكن فى التخطيط فخلال التنفيذ.

إلا إيران! ذلك أن إيران «شريك ضمنى» فى القرار الروسى حول سوريا، بقدر ما هى شريك ــ على الأرض ــ مع النظام السورى، وبالتأكيد فإن موسكو قد سلمت، ومنذ أمد بعيد، بتقاسم الأدوار مع طهران.

أما أهل النظام العربى فقد سقط منهم «أهل الحرب على سوريا» ضحايا إلغاء الضربة على سوريا مقابل تسوية الكيماوى، بينما افترض الواقفون إلى جانب الحفاظ على الدولة السورية موحدة أنهم فى صف الرابحين، حتى وان كانوا لم يصلوا إلى مرتبة الشريك أو حتى الحليف الشرعى لكل من روسيا وإيران.

●●●

ليس من التجنى القول إن «العرب» لم يعودوا يشكلون، بمجموعهم، «قوة إقليمية».. إذ لم يعد للعرب «مجموع»، بل هم دول مستضعفة موزعة الولاءات بحسب احتياجات أنظمتها. وليست الثروة بالنفط أو الغاز مصدر قوة، بل إن الدول الأغنى فى هذا المجال هى الأكثر استدعاء لحماية الأجنبى، وهو الأمريكى حتى إشعار آخر.. ومن باب أولى أن تبرر الدول الفقيرة التحاقها بالمعسكر الأمريكى بفقرها وعجزها عن حماية «وجودها»، الذى يعنى فى هذه اللحظة «نظامها».

ابسط دليل على انعدام القيمة يتمثل فى رد فعل هذه الأنظمة على الاتصال الهاتفى بين الرئيسين الأمريكى والإيرانى، والذى أعقب محادثات 5+1 مع وزير الخارجية الإيرانى، وكل ما صدر مباشرة، أو تم تقديره عن التحولات السياسية المحتملة فى مواقف هاتين الدولتين المحوريتين والانتقال من حالة الجفاء فى ظل مناخ حربى إلى حالة التواصل مع الحرص على تأكيد الرغبة فى التعاون.

لقد بالغت بعض الأنظمة الخليجية فى الترحيب بهذه التحولات، وبالذات منها السعودية، للإيحاء بأنها ضمنها، فى حين عادت دولة الإمارات إلى إثارة قضية الجزر الثلاث وطرحها على الطاولة لعلها تدخل ضمن الصفقة المفترضة.

وفى حين اهتم الرئيس التونسى بأن يبرئ نظامه الذى يقوده الإخوان المسلمون من تهمة الاشتراك فى «التآمر» على التغيير فى مصر الذى أنهى حكم «الإخوان»، فإن وزير خارجية مصر اكتفى بمطالعة دبلوماسية عن التحولات فى مصر، تظل اقرب إلى التبرير منها إلى الإعلان عن سياسة جديدة لحكم يفترض انه يتحدث باسم الميدان.

من هنا إن الرئيس اللبنانى ميشال سليمان قد ظهر وكأنه «النجم العربى» الأبرز من خلال اللقاء المطول الذى خصه به الرئيس الأمريكى باراك اوباما، والذى تضمن «خلوة ثنائية»، وهى «نعمة» لم يحظ بمثلها أى وفد عربى آخر.

●●●

  خلاصة الدروس المستفادة من اللقاءات على هامش الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة أن الدول العربية قد فقدت قدرتها على التأثير وباتت هامشية جدا وحضورها «رمزى» فى أى مؤتمر دولى.

والسؤال: هل بات للعرب أصوات تنطق بالنيابة عنهم وتمثل المصالح فى بلادهم وبالتالى توجهاتهم وهى بالترتيب: الأمريكى والروسى والإيرانى.. وأخيرا الإسرائيلى؟

هل انعدم الوجود العربى وغاب تأثيره إلى هذا الحد؟

.. والجواب معلق فى انتظار عودة مصر إلى وعيها والى دورها الذى لا تعوضه فيه دولة أخرى، وفى انتظار أن تتبلور الانتفاضات سياسيا وتؤكد قدرتها على التغيير ومنهجها فيه فى عالم لا يحسب حسابا إلا للأقوياء بقرارهم قبل ثرواتهم.

 

رئيس تحرير جريدة «السفير» اللبنانية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved