جعلونى.. معلقـًا؟!

حسن المستكاوي
حسن المستكاوي

آخر تحديث: الخميس 2 أكتوبر 2014 - 7:50 ص بتوقيت القاهرة

•• احتفالا بمرور نصف قرن على فوزها بكأس العالم، احتفلت أوروجواى بهذه المناسبة عام 1981 بتنظيم كأس العالم المصغرة التى شاركت بها المنتخبات التى فازت بالمونديال منذ انطلاقه. وفى العاصمة مونتفيديو التقيت المعلق الرياضى الفلسطينى الراحل أكرم صالح، وكان من أبرع المعلقين العرب، وأكثرهم ثقافة وأفضلهم نطقا للأسماء حيث عاش فى لندن سنوات.. كان الأستاذ أكرم صالح أهدأ المعلقين العرب أيضا، تعلم من المدرسة الأوروبية فى التعليق أهم الدروس وهو: الاكتفاء بنطق أسماء اللاعبين والصمت قليلا، فالميكروفون لن يهرب منه إذا توقف عن الكلام..؟

•• كنت أشاهد أكرم صالح وهو يذاكر قبيل المباريات ويراجع أسماء اللاعبين، وتصريحات المدربين، ويجمع الأخبار التى وقعت، ولايستند على أرشيف المعلومات المعروفة، فليس خبرا ولامعلومة أن أوروجواى فازت بكأس العالم مرتين، أو أن تيلى سانتانا يدرب البرازيل..فالخبر والمعلومة ماجرى ويجرى فى كواليس البطولة..

•• سألت الأستاذ أكرم: هل من حق المعلق الإدلاء برأيه الفنى فى المباراة وفى مستويات الفريقين واللاعبين؟

•• أجاب: «أتعمد عدم التدخل فى النواحى الفنية أثناء التعليق.. فأنا لست أفضل من مدربى الفريقين، كما أننى أخشى إذا ركزت على النواحى الفنية أن تتحول المباراة إلى محاضرة تلقى على المشاهدين..».

•• أكرم صالح من جيل عملاق ورائد فى العمل الإعلامى الرياضى.. جيل لحق بزمنه، وامتزجت ثقافته العربية بالأوروبية بحثا عن العلم والمعرفة.. وكان هادئا للغاية فى تعليقه، ولايستعرض لغته الأجنبية وكان يجيد التحدث بالإنجليزية بطلاقة، ولم يكن الأستاذ أكرم صالح يمسك بالميكروفون ولايتركه أبدا، ولم أسمعه يوما يصرخ ويهتف ويصوت ويحزق، وينفعل بافتعال، ويشجع فريقه أو يشجع فريقا عربيا لمجرد إثبات الوطنية أو ظنا بأنه يحيى القومية العربية..

•• ليست الوطنية صرخة معلق فى مباراة.. فلم يحدث أبدا أن وجدت معلقا إنجليزيا يهتف لمنتخب إنجلترا، وليس التعليق استعراضا للقدرة على التوقع، وهو مايوقع المعلق فى مطبات مضحكة، حين يقول: «شوطة قوية رائعة..» ثم يصمت لحظة نادما لأن الكرة أصابت ساعة الاستاد.. أو حين يهتف بفزع: «هجمة خطيرة.. خطيرة.. خطر خطر».. بينما الكرة لم تغادر بعد منتصف الملعب.. وآه لو وضع المعلق لاعبا فى دماغه وآه أسفا لو حاول المعلق إحياء لاعب على وشك الاعتزال؟!

•• مضت عقود، وأفرزت لنا الفضائيات والمباريات بعض المعلقين الجيدين والمجتهدين، الذين لايمسكون بلوازم ساذجة بحثا عن الشهرة، وهم يتقدمون ويتعلمون، لكن أيضا مضت عقود ولم يتعلم كثير من المعلقين المصريين والعرب أن الصراخ وافتعال الانفعال يؤذى المشاهد، وان الصمت للحظات يريح الأعصاب، فعند بعضهم إقتناع أن الصوت الهادىء يقتل المباراة أو يفسدها وهم يفضلونها ملتهبة وساخنة وزاعقة كى ينجذب إليهم المشاهد.. وهذا غير صحيح، وإلا كانت المباريات الأوروبية التى نتابعها بأصوات معلقين إنجليز باردة ولامذاق لها.. والواقع أنها بالعكس مباريات ممتعة، وساخنة وملتهبة، وتمضى على أصوات المعلقين كأنها موسيقى..

•• رحم الله الجيل الذى علمنا وحبب إلى نفوسنا الرياضة.. والصبر يارب على أجيال توشك أن تكرهنا فى الرياضة.. وعلى بعض المعلقين الذين تنطق أصواتهم وانفعلاتهم بما يلى: جعلونى.. معلقا؟!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved