تبديد المفاهيم الخاطئة الغربية حول الربيع العربى

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأحد 2 نوفمبر 2014 - 8:08 ص بتوقيت القاهرة

يكشف جول بنين، أستاذ التاريخ بجامعة ستانفورد، من خلال دراسات للحركات الاجتماعية فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كيف غذى العمال الانتفاضات، رغم الحد الأدنى من الموارد.

صنعت الأحداث الصاخبة للربيع العربى عناوين الصحف فى جميع أنحاء العالم. ورأى فيها بعض كتاب الإعلام الغربى، نهاية الأنظمة الاستبدادية وانتقالا إلى الديمقراطية. ورأى آخرون عنفا غير مجد وشعروا بالقلق من بروز القوى الإسلامية بعد زوال ما يسمى المستبدين «العلمانيين».

وأشار كثيرون من كل من المعسكرين إلى تأثير الشباب الذين نظموا الانتفاضات الشعبية عبر تويتر والفيسبوك.

وعلى النقيض من تركيز وسائل الإعلام الغربية حول ما يسمى بـ«شباب الفيسبوك» يؤكد جويل بينين أستاذ التاريخ بجامعة ستانفورد، أن هناك حركات اجتماعية مهمة فى المنطقة، ساهمت فى الانتفاضات ولكن «لم تكن بقيادة أناس مثلنا تماما»..

ويقول بنين، الذى تركز أبحاثه على تاريخ العمال، أنه فى حين كان الشباب مستخدمى وسائل الإعلام الاجتماعى ناشطين فى التحركات، وكثيرا ما كانو بمثابة المحفزين للمظاهرات المهمة، لم يشكلوا الغالبية العظمى من المشاركين.

ويرى بنين، أن العمال ذوى الياقات الزرقاء وذوى الياقات البيضاء «أكبر الفاعلين فى الحركات الاجتماعية فى العديد من البلدان فى الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية» - وأبرزها، تونس، مصر، المغرب، والبحرين، وعلى نحو أقل الأردن.

فقد كانت الشبكات الاجتماعية المحلية، فى كل من تلك البلدان، وليس المنظمات غير الحكومية أو الأحزاب السياسية القانونية، التى أثارت الانتفاضات. وكشف بنين أن «وسائل الإعلام الاجتماعية لم تلعب دورا تعبويا مهما، وخاصة فى تونس، إلا بعد أن بدأت الانتفاضة بواسطة السكان العاطلين عن العمل من المناطق الداخلية المتخلفة فى الجنوب والغرب».

•••

وفى كتابه الأخير «الحركات الاجتماعية، والتعبئة، والنزاع فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» (صدرت الطبعة الثانية فى 2013، وشارك فى تحريرها فريديريك فيريل) عالج بينين المفاهيم الخاطئة حول الحركات الاجتماعية غير الغربية. وقدم البحث التحليل التاريخى والثقافى لكيفية حشد الحركات الاجتماعية فى ظل أنظمة استبدادية من دون بنية تحتية من الموارد والمنظمات الاجتماعية التى كانت تدعم عادة الحركات الاجتماعية الحديثة فى أوروبا وأمريكا الشمالية.

ويبحث بنين منذ عام 1981 الحركات الاجتماعية المصرية وتاريخ العمال، كما أنه أقام ودرس فى مصر لفترات طويلة. وقدم فى 2010 دراسة ميدانية إثنوجرافية واسعة بعنوان «العدالة للجميع: النضال من أجل حقوق العمال فى مصر». وأمضى وقتا مع العمال فى المحلة الكبرى، بلدة النسيج وسط الدلتا حيث يقع أكبر المشاريع الصناعية فى مصر، فضلا عن العديد من المصانع الأخرى الأصغر حجما.

ويعرف العديد من العمال المصريين بينين بسبب تمكنه من اللغة العربية ونشر بحث سابق له باللغة العربية. ولذلك كان قادرا على التفاعل مع العمال إلى حد غير مألوف بالنسبة لكثير من الغربيين. ويقول بينين «قضيت الكثير من الوقت معهم، متحدثا معهم عن تجاربهم، ومتابعا لهم» ويتابع: «وجودى هناك مكننى من فهم تأثير حركة العمال بطريقة لم تكن متاحة لمعظم الغربيين» كما يوضح أنه خلال بحث الحركات الاجتماعية» كان لدى مصدر استثنائى من المعلومات التجريبية بسبب عملى الميدانى والرؤية التاريخية الطويلة نظرا لأبحاث سابقة يمكن أن تضع الأحداث الأخيرة فى سياقها» على نحو يتحدى الرؤى الغربية.

وفى كتابهما، يطبق بنين وفيريل مناهج نظرية الحركات الاجتماعية على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهذه النظرية، مجموعة من المفاهيم فى العلوم الاجتماعية لتحليل أصول الحركات الاجتماعية والبنى التحتية الخاصة بها وعملها. وحتى وقت قريب، كان العلماء يستخدمونها فى الغالب لتحليل الحركات فى أوروبا أو أمريكا الشمالية. ويقول بنين: «معظم الذين طبقوا نظرية الحركات الاجتماعية على الأحداث فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يسعون ببساطة لتوضيح أن هذه الأحداث تطابق المفاهيم الكلاسيكية للنظرية». ونشأ أحد المناهج المهمة لنظرية الحركات الاجتماعية من دراسة دوج ماك آدم أستاذ علم الاجتماع فى جامعة ستانفورد على حركة الحقوق المدنية فى أمريكا الجنوبية واكتشافه أن الكنائس الأمريكية الأفريقية وفرت البنية التحتية للحركة وعملت كقوة تعبئة للاحتجاجات. وتعاون ماك آدم مع سيدنى تارو، الأستاذ الفخرى فى جامعة كورنيل، والراحل تشارلز تيلى، عالم الاجتماع والمؤرخ فى جامعة كولومبيا، فى تطوير النسخة الأكثر شهرة من نظرية الحركات الاجتماعية.

وتشاور بنين أثناء بحثه الحركات الاجتماعية مع بينين ماك آدم وتارو، ووجد اختلافات مهمة بين الحركات الاجتماعية التى قاما بتحليلها وتلك الموجودة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

فوفقا لنظرية الحركات الاجتماعية، غالبا تقوم حركات العمال فى السياقات الغربية «على أساس الأحزاب السياسية والروابط التعاونية المختلفة، والنقابات العمالية. ولكن هذه أطر إما غير قانونية، أو غير معترف بها، أو ذات أهمية سياسية هامشية فى كثير من مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»

ويعتمد العمال فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا «على الشبكات غير الرسمية والمحلية، وليس حركة المنظمات الاجتماعية، فى تنظيم إضرابات بشأن القضايا الاقتصادية» كما يجد بينين، أن العمال «نادرا ما يطالبون بأطر ديمقراطية على هذا النحو، على الرغم من أن أفعالهم تشكل تحديات للسياسات الاقتصادية للأنظمة، خاصة فى تونس ومصر والمغرب».

وانتقد بينين وفاريل أيضا العلماء الذين طبقوا نظرية الحركات الاجتماعية على الحركات الإسلامية. ويقول «فى حين قد يزعم البعض أن المساجد ومنظمات الخدمة الاجتماعية التابعة لها وفرت هياكل تعبئة مماثلة للحركات الإسلامية. لم يحشد الإخوان المسلمين فى مصر، أو حركة النهضة التونسية، والحركات الإسلامية غير العنيفة المماثلة، من أجل المطالبة بالتغيير الديمقراطي». ويرى بينين أن مجموعة أخرى من العلماء وصانعى السياسات، «تتصور أن المنظمات غير الحكومية (الشكل الأكثر نموذجية مما يسمى « منظمات المجتمع المدنى «) من شأنها أن تؤدى عملية التحول الديمقراطى. وهذا كان أملا كاذبا».

ويضيف: «نادرا ما تشارك المنظمات الإسلامية فى تعبئة العمال، فى حين تعمل المنظمات غير الحكومية من خلال التوجه أساسا إلى المثقفين من الطبقة الوسطى العليا، التى تفتقر إلى العلاقات مع العمال».

•••

ومع نشر الطبعة الأولى من الكتاب فى بداية الربيع العربى فى عام 2011، قدم كتاب «الحركات الاجتماعية» رؤية فى الوقت المناسب للانتفاضات الاجتماعية فى دراسات الحالة من مصر والمغرب وتركيا ولبنان، والمملكة العربية السعودية وكذلك مسح للدفاع عن حقوق الإنسان فى العديد من البلدان.

وتوضح الطبعة الثانية، التى نشرت فى عام 2013 بعد الانتفاضات، كيف أكدت أحداث الربيع العربى أطروحات الكتاب الأصلى وتتناول أيضا الانتفاضات فى سوريا وتونس واليمن.

وكما يرى بينين، فمن الأسباب الرئيسية التى تشير إلى أن تونس أكثر عرضة للتطور كدولة ديمقراطية فى المستقبل القريب بدلا من مصر أن اتحاد نقابات العمال فى تونس لديه تاريخ طويل من الاستقلال النسبى عن الدولة. ويعتبر الاتحاد إلى حد بعيد أكبر منظمة مدنية فى البلاد، ويضم أكثر من نصف مليون نسمة من أصل عدد سكانها البالغ عشرة ملايين فى وقت الانتفاضة.

ويتمثل مشروع بينين القادم فى سلسلة جديدة من الكتب القصيرة والمركزة من اعداد مجموعة من العلماء حول عدد من القضايا المعاصرة. ويقارن كتاب بينين بين دور الحركات العمالية فى تونس ومصر فى الانتفاضات الشعبية وما أعقبها.

ويوضح بينين أن هذا الكتاب يتمحور حول تعبئة العمال حول القضايا الاقتصادية قبل وأثناء ومنذ الانتفاضات. ويرى أن السبب الكامن وراء عدد هام من الانتفاضات كان جهدا قسريا لإعادة هيكلة اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بما يتفق مع سياسات «توافق واشنطن» الليبرالية الجديدة، وهى السياسات التى ينادى بها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى. وتتمثل حجة بينين الاساسية فى أن الديمقراطية نتيجة النضالات الاجتماعية. ووفقا له «القوى التى شاركت وسوف تواصل المشاركة بنشاط فى معظم تلك الصراعات فى العالم العربى ليست بالضرورة تلك التى تفضلها الحكومات الغربية ان تلعب دورا مهيمنا».

ألكسيس تشارلز

طالب دكتوراه فى برنامج الفكر الحديث والأدب فى جامعة ستانفورد

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved