قراءة فى الواقع الإفريقى

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الأحد 2 ديسمبر 2018 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة البيان الإماراتية مقالا للكاتبة أمنية العريمى ــ الباحثة فى الشأن الإفريقى ــ وجاء فيه:
قد تكون هناك استراتيجيات خالصة، جاءت كنتيجة لا لاختيار حر، ولا لحكمة سلفية، وإنما لقوة قاهرة، فكانت استراتيجية ضرورية أكثر منها استراتيجية اختيار، استراتيجية بقاء أكثر منها استراتيجية انتصار.
بهذه الكلمات، أنهيت محاضرتى العلمية الأخيرة لطلبة التاريخ الإفريقى القديم فى جامعة مينيسوتا الأميركية ــ فرع السنغال ــ الذين طرحوا على مسامعى سؤالا مفاده: هل التكوين الاجتماعى والسياسى للمجتمع الإفريقى القديم يتسم بالهشاشة، لذلك لم يصمد أمام الثقافات الغربية، التى ما برحت أن تقضى على ماهية ذلك المجتمع، حتى سارعت فى الإجهاز على ما تبقى فيه من قيم.
قد تكون العاصمة العاجية أبيدجان، هى العاصمة الإفريقية الأولى التى أجهضتُ فيها جميع أفكارى القديمة، وتولدت فى نفسى قناعات جديدة، دفعتنى للتمسك بها.
وإن كنت غير راغبة فى مناقشتها، فمن يريد أن يكتسب المعرفة الحقة على صحة ما ذكره المفكر الإفريقى اللاتينى ولتر رودنى، وما سطرته روايات تشينو أتشيبى، وما خطه التاريخ بأنامل سامورى تورى، فعليه بالسكن ردحا من الزمن فى الغرب الإفريقى، الذى أخرج للعالم ذات يوم أولئك الرجال الذين صنعوا لإفريقيا إرثا ثقافيا وأخلاقيا، أبصره ذلك القابع التائه هناك فى العالم المتمدن.
أثناء رحلتى من أبيدجان، كبرى المدن الإيفوارية، إلى ياموسوكرو العاصمة السياسية لساحل العاج، توقفت كثيرا أمام ذلك الواقع الذى أُريد له أن يكرر نفسه، من دون كلل، ولكنه يسمح أحيانا بتغير الوجوه، إذا ما ساهمت بإبقاء عجلة الإعادة بدون توقف.
يؤكد المفكر الإفريقى ولتر رودنى، فى كتابه «أوروبا والتخلف فى إفريقيا»، أن أفريقيا قبل الاتصال بأوروبا، كانت خليطا من جماعات وممالك آخذة فى التطور والنمو، وكانت هناك حركة للتاريخ، ولم يكن التخلف الذى ألم بها من الظروف الطبيعية، أو من النماذج التاريخية والثقافية، أو من الديناميات الداخلية الثرية، ولكن كان للاتصال الأوروبى أثره فى انقطاع حركة التطور الاجتماعى.
وعدم النضج الطبقى، الذى هو أساس حركة التطور فى أى مجتمع، فالتكوينات الطبقية، هى أساس القدرة على بناء هياكل سياسية متطورة، وعادة ما تكون طبيعة النشاط الاقتصادى، هى المسئولة عن ذلك النضج الطبقى، ومع تأثير الاتصال السلبى فى هذه الأبعاد، نشأت حالة التأخر التى نراها اليوم فى عموم إفريقيا جنوب الصحراء، ومن الجدير بالذكر، أن درجة التطور والتنمية التى كانت فى إفريقيا قبل الاستعمار، لم تستخدم فى بلورة الهياكل السياسية والاقتصادية لفائدة أبناء إفريقيا وحسب، بل كان لها تأثيرها فى تنمية الرأسمالية فى المجتمعات الغربية.
وبذات القدر الذى أسهمت به إفريقيا فى تطور وتنمية الغرب، كان للأخير دوره فى تأخر القارة الإفريقية، فعلى سبيل المثال، كانت نتيجة سيطرة أوروبا على التجارة الدولية وأدواتها، أنها أدت إلى خلق دول مركزية ودول هامشية، وكانت أول خطوات الأوروبيين، هى جعل الأفارقة لا يستطيعون التخلى عن السلع الأوروبية.
والتى كان يتم استبدالها بأكثر المعادن ثمنا، وبعد أن تم اكتشاف العالم الجديد، بدأت الحاجة للأيدى العاملة، وبدأت تجارة الرقيق، بما كان لها من آثار تدميرية فى القارة الإفريقية، تمثلت فى تدمير الهياكل الاجتماعية والاقتصادية الإفريقية، فى حين كان لها آثار إيجابية فى الغرب، الذى نجح فى إيجاد الانقسامات التى تضمن له استمرارية تجارة الرق، بل ونشأ الرق الداخلى لصالح الفئة التى كانت تخدم مصالح الرأسمالية.
وبخاصة فى غربى أفريقيا، التى تعد من أكثر المناطق تأثرا بهذه التجارة، حاول الغرب ابتكار الوسائل والسياسات التى يحافظ من خلالها على القارة الأفريقية بشكل يخدم مصالحه، كما حاول أن يطعن فى الاستقلال الذى حصلت عليه بعض الدول الإفريقية، وهذه الوسائل تحتاج إلى بذل الكثير من الجهود، تفوق جهود مواجهة الشكل التقليدى من الاستعمار.
تجتمع النخبة الإفريقية اليوم على حديث واحد، مفاده محاولة أفريقيا السير بخطى ثابتة للتوفيق بين ثلاث أفريقيات، فى حالة تصادم دائم، وهى: إفريقيا التقليدية أو المحلية، التى عوقبت تاريخيا بوصفها مُتأخرة وبدائية، ومع ذلك، فهى تسير، ولو على مستوى مُتدنٍ من الكفاءة، وإلا لما تمكنت من الإبقاء على أهلها على مر القرون، وهى تكافح اليوم من أجل البقاء، وإفريقيا الحديثة، وإفريقيا المُتوسطة.
والتى تمثل القطاع غير الرسمى، وهو قطاع انتقالى بين التقليدى والحديث، والذى يرى أن معظم مشكلات أفريقيا نابعة من القطاع الحديث، لذلك يجد البعض صعوبة فى التعامل مع هاتين الإفريقيتين، وفى المصالحة بينهما، إلا أن الواقع يقول إن أفريقيا تصعد إلى القمة بمشقة، وذاك هو دليل النجاح.


من الصحافة العربية
البيان ــ الإمارات

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved