الإلهام عن بعد

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الخميس 4 فبراير 2016 - 10:33 ص بتوقيت القاهرة

ومن أسف أن النقاش العقلانى حول أوضاع مصر وفرص الانعتاق من السلطة الحاكمة لم يعد له مساحات حقيقية فى الداخل.

أسجل «من أسف» ليس على سبيل رفض المعالجات الجادة لأوضاعنا وأزماتنا المتراكمة المصوغة فى الخارج. فالخارج هذا بات يعج بمصريات ومصريين لم يتخلّوا عن حمل هموم الوطن على الرغم من أنهم أجبروا مضطهدين على تركه، أو ضاقت برأيهم الحر «الأجهزة» صاحبة الأمر والنهى، أو ضاقوا هم بالظلم الذى أحاط بكل جوانب الحياة. وبعيدا عن «مكارثيى النوع الآخر» من خدمة السلطة البديلة فى الانتظار والذين يشتركون مع خدمة السلطة الحاكمة فى تقديس الرأى الواحد وإقصاء المختلفين معهم واغتيال العقل صراخا وضجيجا ونشرا للهيستيريا، فتحت فى الخارج مساحات ثقافية وصحفية وأكاديمية حقيقية للتفكير فى الشأن المصرى، وفى أسباب استلاب المواطن والمجتمع والدولة من قبل السلطة، وعوامل تعثر التحول الديمقراطى وإمكانيات تجاوزها.

بل إن خبرة الحياة والعمل فى الخارج، خصوصا فى البلدان التى تحترم حرية التعبير عن الرأى وتتمتع بفضاء عام يحضر به المتنوع من الآراء، تمكن من الانفتاح على أفكار جديدة ومن التعرف المفيد للغاية على حالات بلدان تشابهت مع مصر فى الماضى البعيد والقريب وانعتقت من السلطوية. وللبعض، على الأقل، تكون خبرة الحياة والعمل فى الخارج فرصة للابتعاد عن جنون الاستقطاب فى مصر، وللنجاة بالقليل المتبقى من إنسانية توشك على الضياع فى وسط خرائط الظلم.

لست آسفا على عقلانية وحيوية «الدياسبورا المصرية» فى مناقشة أوضاع الوطن والبحث عن فرص للانعتاق من السلطة الحاكمة. بل سبب الشعور بالأسف هو استحالة النقاش العقلانى فى الداخل المصرى الذى يئن تحت وطأة سطوة «الأجهزة» وسيطرة اليد القمعية على الفضاء العام. فلم يعد بفضائنا العام سوى الكثير من الصراخ وهيستيريا تقديس الرأى الواحد وخلع هالات البطولة الزائفة على الحاكم، الكثير من إنكار المظالم والانتهاكات المتراكمة ومن ثم استبدال التفكير فى كيفية إيقافها وجبر الضرر عن الضحايا ومحاسبة المتورطين«بتبييض صفحة» أجهزة القمع، الكثير من التقلب بين قضايا كالشباب والفساد دون شفافية أو حلول حقيقية، الكثير من تعقب أصحاب الرأى الحر فى مساحات مجتمعية باتت تضيق بصورة يومية وعلى شبكات التواصل الاجتماعى بصورة بالغة البؤس.

سبب الشعور بالأسف هو حقيقة أن التغيير يصنع فى الداخل وليس فى الخارج، وأن الأخير مهما تعاظمت حيويته وفاعلية نقاشاته لا يملك سوى الإلهام عن بعد وعليه دوما تجنب السقوط فى فخ التوجيه عن بعد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved