الإصلاح المالى ليس المشكلة.. بل تأخر الإصلاح الاقتصادى

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الإثنين 3 يوليه 2017 - 10:35 م بتوقيت القاهرة

أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن يدفع الناس ثمن الإصلاح المالى كاملا ولا يستفيدون بعوائده، وهذا بالضبط ما نحن فيه الآن.

مع كل قرار اقتصادى لابد أن تكون هناك تكلفة وأن يصاحبها عائدًا. وبالنسبة للبرنامج الذى التزمت به الدولة مع صندوق النقد الدولى فى نوفمبر الماضى، والذى تضمن تحرير سعر الصرف وخفض دعم الطاقة وفرض ضريبة القيمة المضافة. فإن التكلفة هى الزيادة الكبيرة فى الأسعار التى طالت الجميع وقفزت بمعدل التضخم إلى ٣٢٪‏ العام الماضى وبأسعار المواد الغذائية إلى أكثر من ذلك. ومع ذلك فإن هذه الإجراءات كانت ضرورية لإعادة التوازن المالى للاقتصاد القومى، ولأن التأخير فى تنفيذها كان حتما سوف يجعل تكلفتها تتضاعف مستقبلا. ولكن تنفيذها كلها خلال مدة وجيزة ودون استعداد كافٍ جعل تكلفتها الاجتماعية تتجاوز ما يقدر الناس على احتماله. 

فى المقابل فإن من المفترض أن يكون لهذه الإجراءات عوائد كبيرة، على رأسها زيادة الاستثمار، وانخفاض البطالة، وتدفق السياحة، وتوافر النقد الأجنبى، وتحرير موارد إضافية للدولة تتيح مزيدا من الإنفاق على الخدمات العامة. ولكن الإصلاح المالى والنقدى لا يأتى وحده بهذه الثمار المنشودة، بل يلزم أن تتضافر معه سياسات وبرامج تحقق إصلاحا اقتصاديا حقيقيا يزيل عوائق الاستثمار، ويفتح التنافس فى المجالات الواقعة تحت سطوة الاحتكار، ويطلق طاقات الإبداع والمبادرة، ويحفز المشروعات الصغيرة، ويكسر حالة الركود السياحى. الإصلاح المالى والنقدى إذن ضرورى ولكنه غير كافٍ بذاته لتحقيق التنمية الاقتصادية، بل يمهد الأرضية التى تتيح للإصلاح الاقتصادى أن يجلب العوائد المنشودة. 

ولكن ما حدث خلال العام الماضى أن الدولة تصرفت كما لو كان مجرد تطبيق الإصلاح المالى والنقدى كافيا لتحقيق تلك العوائد. وهكذا أضعنا عامين كاملين فى مناقشة قانون جديد للاستثمار بينما المناخ الاقتصادى يزداد تعقيدًا بسبب توغل البيروقراطية، وتدخل الدولة فى كل المجالات، وبطء التقاضى، وارتفاع تكلفة التمويل، وغير ذلك من المشكلات التى تعرقل نمو الاستثمار. وبالنسبة لملف السياحة لم ننجح فى رفع حظر السفر من بلدان السياحة التقليدية، ولا فتح أسواق جديدة فى البلدان الآسيوية، ولا تقديم المساندة لقطاع السياحة فى محنته. وبينما أتاح تحرير سعر الصرف فرصا جديدة للتصدير، إلا أن الدولة لم تكن مستعدة بالبرامج والحوافز التى تمكن المصدرين المصريين ــ وخاصة الصغار ومتوسطى الحجم ــ من الاستفادة بهذه الفرصة، بل تركتهم يحاربون بمفردهم فى عالم تسوده المنافسة العاتية بين بلدان تساند المصدرين لديها. حتى الموارد التى وفرتها الدولة من خفض دعم الطاقة وجدت طريقها إلى المزيد من المشروعات الكبرى غير ذات الأولوية بدلا من توجيهها لتحسين مستويات المعيشة لملايين المواطنين. 

والنتيجة أنه مع الارتفاع الشديد فى الأسعار، فلا الاستثمار زاد بما يكفى، ولا السياحة انتعشت، ولا البطالة انخفضت بشكل مؤثر، ولا الخدمات العامة تحسنت. والحكومة حينما تصرح بأنها اتخذت القرارات الشجاعة والضرورية التى تردد آخرون فى الإقدام عليها، معها كل الحق، ولكن لا يكفى اتخاذ هذه القرارات المالية والتوقف عندها، بل كان يجب الاستعداد لعواقبها الاقتصادية والاجتماعية كى لا تتحول إلى كابوس يؤرق كل بيت مصرى. 

ليس غريبا أن يصب الرأى العام غضبه على الدولة والمسئولين من جراء الارتفاع المستمر فى الأسعار ومن التصريحات التى تستخف بعقول الناس ومشاعرهم. ولكن الحقيقة أن السبب فيما آلت إليه هذه الأوضاع المتردية ليس القرارات المتعلقة بتحرير سعر الصرف ولا ضريبة القيمة المضافة ولا تخفيض دعم الطاقة، بل الإخفاق الحقيقى هو عجز الحكومة عن استغلال التحسن الذى طرأ على المؤشرات الاقتصادية الكلية نتيجة هذه القرارات من أجل إطلاق طاقات البلد فى الاستثمار والتشغيل والتصدير، فكانت النتيجة أن المواطن دفع الثمن مرتين: الأولى فى زيادة الأسعار، والثانية فى استمرار الركود والبطالة وتدهور الخدمات العامة. 

التفكير فى الرجوع عن الإصلاح المالى والنقدى الآن ليس مجديا، والاكتفاء بالشكوى من ارتفاع الأسعار لن يفيد الناس. المسار الوحيد المتاح هو إعادة النظر فيما جعل الإصلاح المالى لا يأتى بعوائده المنشودة، والاعتراف بعدم جدوى الاستمرار فى السياسات الاقتصادية الراهنة المعرقلة للتنمية، والسماع لشكاوى الناس وتقديرها والاستجابة لها بدلا من إلقاء اللوم عليهم.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved