الشرق الأوسط الجديد على طريقة أوباما

عبد العظيم حماد
عبد العظيم حماد

آخر تحديث: الإثنين 3 أغسطس 2009 - 6:47 ص بتوقيت القاهرة

 أرجح السيناريوهات المتوقعة حتى هذه اللحظة لتسوية النزاع العربى الإسرائيلى هو تسويته فى إطار توافق دولى إقليمى شامل، يتضمن فيما يتضمنه نظاما للأمن الجماعى يغطى منطقة الخليج، مثلما يغطى منطقة المشرق العربى، وكذلك من المطلوب أن يتضمن هذا النظام الجديد إطارا للتعاون الاقتصادى الشامل يمنع الحكومات العربية من التباطؤ فى التطبيع الدافئ مع إسرائيل.

وستكون القفزة الكبرى نحو إقرار هذا السيناريو، والشروع الفورى فى تنفيذه فى مؤتمر دولى إقليمى يدعو الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى عقده فى البيت الأبيض نفسه وفقا لتوقعات مصادر أمريكية وإسرائيلية وعربية معلومة، كان أرفعها مستوى الأمين العام لجامعة الدول العربية، الذى قال لـ«الشروق» يوم الأربعاء الماضى إن الدعوة إلى مثل هذا المؤتمر قائمة وبقوة.

معنى أن يعقد المؤتمر فى البيت الأبيض، وبدعوة من الرئيس الأمريكى شخصيا، أنه سيعقد تحت شعار ممنوع الفشل، وذلك لسببين: الأول أن كل شىء سوف يكون قد أعد واتفق عليه مسبقا، والثانى أن الأطراف المدعوة لن يكون لديها هامش كبير للمناورة، فضلا عن الرفض فى محفل يقوده رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، مؤيدا من أغلب القوى الأمريكية النافذة، كما هو متوقع.

وإذا كنا لا نملك الكثير من التفاصيل حول المواقف والمقترحات والتحفظات المطروحة للمناقشة فى طور الإعداد الجارى حاليا لهذا المؤتمر، خاصة فى جانب الأطراف العربية، فإن لدينا من الشواهد ما يكفى لتوقع استجابة عربية مرنة، إلى حد يخشى معه من خطر التنازلات دون مقابل حقيقى تقدمه إسرائيل التى سيكون أقصى ما هو مطلوب منها القبول بقيام دولة فلسطينية، أما ما سيتجسد تحت عنوان «الدولة الفلسطينية»، من شروط مثل المساحة، ونطاق السيادة، وقيود التسلح والتنسيق الأمنى، فالمرجح أن تتغلب فيها المطالب الإسرائيلية على الجميع، وكذلك ما يتعلق بقضيتى اللاجئين، والقدس، فعلى الرغم من كل الحديث الإعلامى العربى عن رفض مبدأ يهودية دولة إسرائيل، فإن مبادرة بيروت العربية أقرت منذ لحظة إعلانها مبدأ الحل التفاوضى لمسألة حق العودة، وهو ما يعنى استعدادا عربيا مسبقا للقبول بمبدأ يهودية إسرائيل باعتبار أن أكبر تهديد ليهودية الدولة الإسرائيلية هو عودة اللاجئين الفلسطينين.

أما القدس فسوف يكون مشروع العاصمة الموحدة المشتركة تحت الهيمنة الإسرائيلية ــ بالطبع ــ هو أقصى ما يحلم به العرب والفلسطينيون، وقد يضطرون إلى قبول الحلول الرمزية معه قبيل رفع هذا العلم العربى، أو الإسلامى أو ذاك فوق الأماكن المقدسة للمسلمين، إلخ..

إذن لن يكون هناك جديد فى تفاصيل وشروط التسوية الفلسطينية الإسرائيلية المتوقعة من مؤتمر البيت الأبيض ــ إذا عقد ــ كما كان مطروحا قبل سنوات الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش ومحافظيه الجدد من أفكار ومشروعات، بعضها حدث حوله توافق، وبعضها انعقد عليه اتفاق، وعليه فإن الجديد حقا الذى تطرحه إدارة أوباما هو إدخال تسوية القضية الفلسطينية فى إطار النظام المقترح للأمن والتعاون الإقليميين، وبديهى أن اجتذاب سوريا لهذا النظام سوف يذلل عقبة ضخمة تعترض ذلك السيناريو، أما دول الخليج العربية وفى مقدمتها السعودية، وكذلك مصر فمن الواضح أنها تحبذ المشروع، بل إن دول الخليج تتوق إليه، لأنها ترى فى إيران خطرا بالغا على أمنها وعلى نظم الحكم فيها، لكن يبقى تعاون إيران مهما لإنجاح المشروع برفق، ولذا فإن المحاولات جارية لإدماج الجانب الإيرانى فيه، سواء من خلال الحوار الأمريكى الإيرانى الذى يوشك على الانطلاق، أو من خلال محاولة إدماج حلفاء إيران الإقليمين فيه، والمقصود بهؤلاء الحلفاء إلى جانب سوريا، حزب الله فى لبنان، وحركة حماس فى فلسطين، ولا جدال فى أن عدم تدخل سوريا فى الانتخابات اللبنانية الأخيرة، وانخراط حزب الله فى العملية السياسية الجارية حاليا فى لبنان من المؤشرات المهمة على التقدم نحو الهدف، فإذا نجح الحوار الوطنى الفلسطينى فى اجتذاب حماس إلى عملية سياسية مناسبة، فسوف تكتمل إذن حلقة التوافق فى المشروع العربى، ومع ذلك يبقى هناك احتمال قوى باستمرار المحافظين الإيرانيين فى الممانعة، لكن الذى لا شك فيه أن إحدى أهم نتائج الانقسام الساخن فى إيران بين الإصلاحيين والمحافظين بعد انتخابات الرئاسة الأخيرة، ثبوت وجود تيار قوى وفاعل فى الحياة السياسية الإيرانية يحبذ التوافق الإقليمى، والوفاق الدولى، فضلا عن إضعاف التيار المحافظ المتشدد، ويجب ألا ننسى أن الانسحاب من المواجهات الإقليمية (فى لبنان وفلسطين) كان من شعارات الحملة الانتخابية «للرئيس الخاسر والرافض للخسارة» مير حسين موسوى.

ليس من الحكمة القطع بأن هذا السيناريو سيتحقق بحذافيره، وقد لا يتحقق منه شىء على الإطلاق، فهكذا علمتنا السياسة، خاصة فى الشرق الأوسط، والصراع العربى الإسرائيلى، ولكن يبقى هذا السيناريو هو الأرجح كما سبق القول، فما الذى سوف تجنيه الأطراف العربية، ومصر تحديدا من مثل هذا النظام المقترح للأمن الجماعى؟

كرؤية شخصية لكاتب هذه السطور فإن ما توافر من معلومات عن ترتيبات الأمن الجماعى للخليج والشرق الأوسط الجديد لا يلبى الاحتياجات المصرية والعربية، ولا يستوفى شروط مفهوم الأمن الجماعى الحقيقى.
يتحدثون عن مظلة عربية أمريكية لأمن الخليج، والسؤال: أليست هذه المظلة منشورة الآن على امتدادات سماوات المنطقة، وعلى الرغم من أنها غير مكتوبة فى معاهدة شاملة، فإن حرب تحرير الكويت من الغزو العراقى قد كتبتها بالدماء والنار، ويتحدثون عن إقناع إيران بالتخلى عن طموحات (غير مؤكدة بعد) لحيازة سلاح نووی.. وهذا مطلب دولى وإقليمى، ولكن ما معنى أمن جماعى لا يتطرق إلى ترسانة إسرائيل النووية، ولا يتضمن حدود التفوق الإسرائيلى الاستراتيجى الكاسح على جميع دول المنطقة.

إذن ليكن الجهد العربى مركزا على هذه النقطة تحديدا، وأقصى ما ننصح به من مرونة لعلمنا بصعوبة إقناع واشنطن وتل أبيب، هو الاتفاق على مبادئ عامة مستهدفة، وأهداف مرحلية، بحيث تتوصل إلى جدول زمنى لربط الحد من تفوق إسرائيل الاستراتيجى «خصوصا النووى» بالتقدم فى التطبيع والتعاون الإقليمى والعلاقات السلمية مع دول المنطقة، وبدون ذلك سيعيش العرب ــ والمصريون ــ إلى الأبد ليس تحت حماية المظلة النووية الأمريكية، ولكن تحت رعب المظلة النووية الإسرائيلية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved