إسرائيل والأزمة السورية

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الإثنين 3 سبتمبر 2018 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة ذى أتلانتك مقالا للكاتب الصحفى «ديفيد كينير» عن التناقضات فى الموقف الإسرائيلى تجاه الأزمة السورية. فعلى الرغم من معارضة النظام السورى فى بداية الأزمة السورية، غير أن وجهة النظر هذه تغيرت حيث ساد شعور بالتفاؤل عندما سادت أخبار بعودة النظام للسيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد. كما تناول المقال توثيق العلاقات الإسرائيلية ــ الروسية بشأن الأزمة السورية لمواصلة الضغط على إيران.
استهل الكاتب حديثه قائلا إذا كنت تريد أن تفهم التناقض الإسرائيلى بشأن نتائج الحرب السورية، فليس عليك سوى النظر إلى تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلى «أفيجدور ليبرمان». ففى عام 2016، وصف «ليبرمان» الرئيس السورى «بشار الأسد» بأنه «جزار»، كما أكد على معارضة إسرائيل للإبادة الجماعية التى تقوم بها الحكومة السورية. وأضاف أنه من مصلحة إسرائيل، أن يتم الإطاحة بنظام بشار الأسد وطرد حلفائه الإيرانيين من سوريا. أثناء قيامه بجولة فى وحدات الدفاع الجوى الإسرائيلية، تفاءل ليبرمان بعودة سوريا إلى الوضع الذى كانت عليه قبل الحرب قائلا «لقد أصبح هناك جهة يمكن مخاطبتها وشخصا مسئولا وحكما مركزيا». وعندما سئل إن كان قلق الإسرائيليين سينخفض بشأن احتمال تصاعد الوضع فى الجولان فأجاب «أعتقد ذلك».
هذان الموقفان يمثلان أولويات إسرائيل المتضاربة فى سوريا. فمن ناحية، يعتبر الأسد أهم حليف لإيران فى العالم العربى ــ والتى من الممكن أن توفر لطهران إمكانية الوصول إلى حدود إسرائيل الشمالية، ومن ثم تسهل تدفق الأسلحة إلى حزب الله. من ناحية أخرى، فإن خطاب الأسد المناهض لإسرائيل يمثل قدرا معروفا لإسرائيل، على خلاف التشابكات الفوضوية بين الميليشيات السنية والمنظمات الجهادية التى ستحل محله. حتى وقت قريب، كانت حدود إسرائيل مع سوريا هى أكثر حدودها هدوءا منذ أربعة عقود.
فى حين امتنعت إسرائيل عن محاولة صياغة نتائج الحرب السورية، فقد سعت بقوة إلى تحقيق مجموعة ضيقة من الأهداف المصممة لحماية مصالحها. ومنها: إطلاق حملة جوية لمنع إيران من إقامة قواعد عسكرية دائمة فى سوريا أو نقل صواريخ متطورة إلى حزب الله، وتمويل الجماعات المسلحة السورية فى الجنوب من أجل إبعاد إيران وحلفائها عن حدودها، وبذل الجيش الإسرائيلى جهوده لمنع أى تقدم من قبل الجماعات المسلحة فى الجنوب السورى الذى يعيش فيه الدروز.
فى حين أن هذه الاستراتيجية قد أبعدت الإسرائيليين عن إراقة الدماء فى سوريا، فإنها لم تفعل الكثير لمنع السيناريو الأسوأ ألا وهو سيطرة إسرائيل على دمشق. من الجدير بالذكر أن الأسد استعاد سيطرته من جديد على البلاد، مدعوما بشكل غير مسبوق من إيران. حيث قام ضباط الحرس الثورى الإيرانى ومقاتلو حزب الله فى سوريا بتوسيع وتعزيز شبكاتهم العسكرية، فلديهم الآن صواريخ متطورة بعيدة المدى قادرة على إحداث دمار غير مسبوق للمدن الإسرائيلية، فضلا عن توقيع اتفاقية بين إيران وسوريا بشأن تعزيز التعاون العسكرى.
بدورها، قامت إسرائيل بشن أكثر من 100 غارة جوية ضد قوات حزب الله منذ بداية الحرب لمواجهة هذا التهديد. وفى وقت سابق من هذا الشهر، قيل إنه تم استخدام سيارة مفخخة لاغتيال عالم سورى لعب دورا قياديا فى برنامج القذائف المتطورة فى البلاد. وفى السياق ذاته ذكر المستشار السابق للأمن القومى لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو «يعقوب أميدرور» فى حديث له مع الكاتب أنه: «يمكننا أن نفعل الكثير... لا يمكننا أن نفعل كل شىء، ولكن يمكننا أن نفعل الكثير لإجبار الإيرانيين على تقرير ما إذا كانوا مستعدين لدفع ثمن تدخلهم فى سوريا».
***
لقد استثمر نتنياهو وقتا غير عادى فى علاقته الشخصية مع الرئيس الروسى « فلاديمير بوتين» من أجل مواصلة الضغط على إيران وحلفائها. فلقد أجرى نحو 9 لقاءات بينهما منذ تدخل روسيا العسكرى لدعم نظام الأسد فى عام 2015، أكثر من لقاء نتنياهو مع أى زعيم عالمى آخر. ونتيجة لهذا الجهد الدبلوماسى، امتنعت موسكو عن استخدام دفاعاتها الجوية لضرب الطائرات الحربية الإسرائيلية عندما اخترقت المجال الجوى السورى لاستهداف مقاتلى إيران أو حزب الله.
يرجع اعتماد إسرائيل على روسيا فى هذه المسألة إلى عداء الرئيس دونالد ترامب للنظام السورى. حيث قال ترامب فى وقت سابق من هذا العام بأنه سيتم سحب جميع الجنود الأمريكيين من البلاد، كما أعلن أن الولايات المتحدة لن تنفق 230 مليون دولار تم تخصيصها للمساعدة فى إعادة بناء البنية التحتية المدمرة للبلاد. وفى نفس السياق، قال إيتامار رابينوفيتش ــ كبير المفاوضين الإسرائيليين السابقين مع سوريا فى التسعينيات: «إذا كنت صانع قرار فى إسرائيل، وتنظر إلى الوضع السورى، فسترى حجم التواجد الروسى فى سوريا، فى حين تراجع الولايات المتحدة الأمريكية بشكل تدريجى».
ومن ثم، يمكن القول إن تعاون إسرائيل مع روسيا يقوم على أساس الضرورة، وليس على أساس الإيمان بأن موسكو قد تبنت موقف إسرائيل بخصوص مواجهة إيران. فقد خسر الأسد وحلفاؤه الإيرانيون الكثير من الأراضى السورية فى عام 2015 إلى أن غير تدخل بوتين العسكرى مسار الحرب. وقد استبعد المسئولون الإسرائيليون إلى حد كبير وعود روسيا بأنها تستطيع إبقاء القوات الإيرانية على بعد 53 ميلا من الحدود الإسرائيلية، وأن مثل هذه الوعود تعنى القليل، كما يقولون، عندما تمتلك إيران صواريخ يمكنها العبور لمسافة أكثر من 100 ميل.
إن العلاقات الإسرائيلية الروسية قائمة على أساس المصالح، هذا ما قاله «يائير لابيد»، وزير المالية السابق وزعيم المعارضة البارز. واستطرد قائلا: «أشك فى أن تكون روسيا قادرة ــ فى الوضع الحالى ــ على إخراج إيران من سوريا أو أن روسيا ستقوم بهذا الجهد من أجل إسرائيل».
هذه الشكوك حول رغبة بوتين وقدرته على تقييد إيران بدأت تتزايد. وتناول المقال المنشور حديثا بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن الإشارات العديدة بأن روسيا تخفض بهدوء وجودها العسكرى على الأرض فى سوريا، وهى خطوة ستؤدى إلى تقليص نفوذ بوتين مع إيران والأسد. فى غضون ذلك، ضمت إيران وحلفاءها داخل المؤسسات الأمنية السورية، مما جعل من المستحيل تمييزهم عن الجيش النظامى للبلاد.
يمكن لهذا التطور أن يفسح المجال أمام التعاون الإسرائيلى الروسى فى سوريا. وقال المحلل السياسى «حنا نوت»: «أن المسئولين الإسرائيليين يزعمون على نحو متزايد أن وقت هذا العمل قد انتهى. وأنه من الصعب بشكل كبير استهداف إيران وحزب الله بدون استهداف الجنود السوريين، ولن تكون روسيا قادرة على غض بصرها عن ذلك».
***
وبينما يعالج المسئولون العسكريون الإسرائيليون هذه المعضلة، سعى بعض قادتها السياسيين إلى استخدام الحرب لترسيخ سيطرة بلدهم على مرتفعات الجولان. حيث استولت إسرائيل على هذه المنطقة المهمة استراتيجيا خلال حرب 1967، ثم ضمتها فى عام 1981. ومع ذلك، لم تعترف أى دولة بالسيادة الإسرائيلية على الجولان. ويضغط سياسيون إسرائيليون بارزون مثل لابيد ووزير التعليم الحالى نفتالى بينيت على الولايات المتحدة للاعتراف بضم إسرائيل للجولان.
ذكر «لابيد» بخصوص هذه المسألة أن: «أى شخص مدرك للأوضاع فى الشرق الأوسط يعرف أن إسرائيل لن تعيد مرتفعات الجولان إلى الأسد، «القاتل الذى تعهد وشركاؤه، إيران وحزب الله، على تدميرنا».
من الواضح أن إدارة ترامب تشير إلى أنه ليس لديها رغبة فى الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان فى المدى القريب. وقال مستشار الأمن القومى جون بولتون الأسبوع الماضى إنه لم يكن هناك «نقاش» حول هذا الموضوع داخل الإدارة، وأنه «لا يوجد أى تغيير فى الموقف الأمريكى فى الوقت الراهن». ولكن مؤيدى الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، يخططون لمواصلة الدفع بهذا الموضوع، ويأملون فى تحقيق تقدم بعد انتخابات التجديد النصفى.
فى الوقت الذى تبرز فيه هذه الأعمال الدرامية السياسية والعسكرية، لا يوجد الكثير من الأسئلة حول حقيقة أن إيران وحلفاءها مستعدون لتحدى إسرائيل على جبهات متعددة فى السنوات المقبلة. ففى لبنان وسوريا، يضم حزب الله العديد من المقاتلين والأسلحة المتطورة عن أى وقت مضى. فى وقت سابق من هذا العام، فى قطاع غزة، انخرطت حماس وإسرائيل فى سلسلة من الاشتباكات الانتقامية لعدة أشهر قبل أن يثبت وقف إطلاق النار. وفى إيران، هناك خطر متنامٍ يتمثل فى قدرة الجمهورية الإسلامية على استئناف برنامجها النووى بعد قرار إدارة ترامب بإعادة فرض العقوبات على البلاد.

إعداد: زينب حسنى عزالدين
النص الأصلى: 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved