حول انتقاد الرئيس للإعلام

نادر بكار
نادر بكار

آخر تحديث: الثلاثاء 3 نوفمبر 2015 - 10:25 ص بتوقيت القاهرة

فى مفارقة عجيبة يتزامن انتقاد رئيس الجمهورية للإعلام مع العاصفة التى أثارها نفس الإعلام على أوبريت ساخر ينتقد تراجعه بصورة فكاهية ــ لا تخلو من قسوة ــ قادها الإعلامى أكرم حسنى.. ويسبق كلا الحدثين جريمة الإعلامية ريهام سعيد وما تبعها من حملة هجوم شعبية عفوية انتهت بإيقاف برنامجها واجبارها على الاستقالة.

ورغم اختلاف السياقات الثلاثة إلا أن تتابعها ــ أو بالأحرى تزامنها ــ يصعب تجاهله عند محاولة فهم وتحليل الواقع المصرى الحالى بكل أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية... بل إن أغلب الظواهر الاجتماعية فى مصر لم تعد بحاجة إلى أبحاث متعمقة أو دراسات متخصصة لربطها بمقدمات بعينها The Root Cause Analysis إذ يكفيك أن تسأل المواطن البسيط عن سبب عزوف الناخبين مثلا فيجيبك بتلقائية: الإعلام!

عادة أجد من الظلم اختصار كل الصحفيين وكل مقدمى البرامج وكل كتاب الرأى وكل القنوات الفضائية الخاص منها والمملوك للدولة تحت هذه الكلمة الوحيدة (الإعلام).. وأجد الأمر ذاته فى تعميم أى وصف فضفاض على مجموعات متباينة من البشر يصعب حصر سلوكياتها وأهدافها ومنطلقاتها إلخ.. لكن للأسف هذا هو واقع أغلب الناس، لاسيما عند التعبير عن المشاعر السلبية وإلقاء اللوم وتوجيه الاتهام.

الرئيس عبر عن ضيقه الشديد بكلمات وتعبيرات جسد ودرجة صوت تشى بأن ما بداخله يفوق ما أظهره عمدا أو عفوا عشرات المرات، ونفهم من سياق حواره أن مجمل امتعاض الرئيس من الإعلامى أو مجموعة الإعلاميين الذين خصهم بالتلميح يتعلق بأسلوب النقد واختيار التوقيت وطريقة الخطاب أكثر ربما من فحوى التعليق الإعلامى نفسه.

للأسف على مدى أكثر من عامين تجاوز كثير من الإعلاميين بحق مواطنين آخرين كاملى الأهلية ما يفوق ما تأذى منه رئيس الجمهورية بمراحل، بدء من إذاعة مكالمات مسجلة ومرورا بالسب والقذف العلنيين الصريحين وليس انتهاء باتهام الناس فى أعراضها والتحريض المباشر عليها.

والحقيقة حتى لا ندور فى حلقات مفرغة ونغرق فى تفاصيل لا آخر لها؛ المشكلة ليست فى اسم بعينه ولا ينبغى أن تُحصر فى شخص نوجه إليه أصابع الاتهام وتُجيش ضده مواقع التواصل الاجتماعى يتناقل أعضاؤها مقطعا مصورا لانتقاده الرئيس ومن ثم تنهال عليه أقذع الشتائم وقد يتطور الأمر إلى إيذاء مباشر.

المشكلة الرئيسية تتعلق بتوصيف مهنة الإعلامى ــ أيا كان من يمتهنها ــ وما يستتبع ذلك من معرفته هو قبل جمهوره لحدوده وواجباته.. الحديث عن الحدود والسقف والمسئولية لا يضايق إلا عابثا أو ساديا يتلذذ بجلد الجميع من موقعه الآمن!

المشكلة الرئيسية تتعلق فى غياب سلطة تحاسب الإعلامى إذا أخطأ وتردعه إذا تجاوز دون أن يملأ هو وزملاؤه الدنيا ضجيجا عن ضياع الحرية وتكميم الأفواه وتغييب ضمير الشعب.. وغيرها من الشعارات التى لا تُستدعى إلا حينما تهدد عروش المصلحة وتزلزل جدران الحصانة الزائفة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved