حكاية تاجر عملة صغير

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الخميس 3 نوفمبر 2016 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

قبل أيام ضبطت أجهزة الأمن شخصا فى محافظة قنا ومعه ٤ ملايين جنيه.

الخبر لم يكن منشورا فى أى من وسائل الإعلام، لكننى عرفته من أحد أبناء تلك القرية التى ينتمى إليها المتهمون. الخبر عادى جدا وهناك ضبط لكميات أكبر من الأموال كل يوم، لكن الذى شدنى إلى هذا الخبر أن هذا الشخص شرح لى إحدى الآليات التى تتم بها تجارة العملة فى مصر فى الفترة الأخيرة.

أبناء هذه القرية يعملون فى أحد بلدان الخليج. الدينارات أو الريالات أو الدراهم التى كانوا يحولونها إلى مصر بالصورة الشرعية الطبيعية عبر البنوك وتدخل فى الجهاز المصرفى الرسمى توقفت. صاروا يعطونها لشخص فى هذا البلد الذى يقيمون فيه. هذا العملة الصعبة يجمعها شخص محدد يعرف مجموعة من العمال أو الموظفين المصريين هناك ويأخذها ويعطيها إلى شخص أكبر أو شركة أو مجموعة أو جماعة لكى تنفقها بالطرق التى تراها.

أحد الأشكال الشائعة أن هذه الأموال التى يتم تغييرها إلى دولارات يتسلمها تاجر أكبر ليمول بها وارداته خصوصا من الصين أو من أى دولة أوروبية أو آسيوية أخرى.

فى المقابل يتم إبلاغ مندوب أو تاجر عملة صغير فى مصر لكى يعطى أسر العاملين فى الدولة الخليجية المقابل بالجنيه المصرى، ويتحصل هو على مكسب لم يكن يحلم به.. وبهذه الطريقة تفقد البنوك المصرية المزيد من العملة الصعبة لتمول بها استيراد السلع الرئيسية، فى حين يتمكن هؤلاء التجار من ضخ الدولارات أو بقية العملات الصعبة فى تمويل استيراد سلع قد لا تكون مهمة أو حيوية أو أساسية.

حينما قبضت أجهزة الأمن على المتهم فى هذه القرية الصعيدية رفض بالطبع الاعتراف بأنه يتاجر فى العملة بطرق غير شرعية. وقال إنه جمع هذه الأموال من بيع شقق وأراض. أمثال هذا الشخص الذين يعملون فى تجارة العملة فى الشهور الأخيرة زاد إلى عدد كبير غير مسبوق، وبعضهم صار يتلقى حوالات بالجنيه المصرى غير مسبوقة أيضًا. وربما هذا الأمر هو الخيط الرئيسى الذى يربط هؤلاء بتجارة العملة، ويجعل الشرطة تحيلهم إلى النيابة بتهم كثيرة منها تجارة العملة خارج الإطار الرسمى والإضرار بالاقتصاد القومى.

التجارة مغرية لأن أرباحها خيالية وسعر الدولار كان يصل فى بعض الأحيان إلى 20 جنيها. والمتاجرون لا يدرك بعضهم أنهم يدمرون الاقتصاد القومى، لكن عندما يسقط أحدهم فإن الثمن الذى يدفعه يكون فادحا. ونموذج الشاب الذى بدأت به المقال مضطر هو وأهله لتسديد المبلغ الذى صادرته السلطات لأسر العاملين فى هذه الدولة الخليجية.

قد تكون بداية هذه الظاهرة الكارثية بدأها بعض المنتمين لجماعة الإخوان، لكن الأمانة تقتضى القول إن الذين يعملون فيها الآن فئات مختلفة من الشعب، الأمر بالنسبة لهم تجارة مربحة. وبالنسبة لآخرين خصوصا كبار التجار عملية اضطرارية لتمويل وارادتهم.
عندما يذهبون للبنوك ولا يجدون الدولارات. وللموضوعية أيضا فلا أعرف هل نلوم تاجرا يريد لعمله أو مشروعه ومصنعه وتجارته أن تستمر إذا لجأ إلى البحث عن الدولارات بأى طريقة؟

أحد التجار قال لى: كان أمامى بديلان إما أن أوقف مصنعى لعدم وجود دولارات، وإما أن أبحث عن هذه الدولارات بأى طريقة وأى سعر لأستورد بها أدوات ومعدات الإنتاج اللازمة لكى يستمر المصنع، وتستمر العمالة الموجودة فيه.

بالأمس صدر قرار تعويم أو تخفيض الجنيه، وهى خطوة رحب بها غالبية الاقتصاديين ورجال الأعمال باعتبارها لا مفر منها للخروج من الأزمة الطاحنة التى نعيشها، لكنها خطوة واحدة يفترض أن تتم ضمن حزمة شاملة للإصلاح.. وبالتالى علينا أن ننتظر قليلا حتى نرى أثرها على الأرض.. وفى كل الأحوال فإن تجار العملة الصغار جدا بعضهم حقق أرباحا ضخمة وبعضهم خسر كثيرا، ونتمنى أن يهجروا هذه المهنة الطارئة والمدمرة للاقتصاد ويمارسوا أعمالا مشروعة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved