نائب الفيوم الفتوة!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 3 نوفمبر 2017 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

صباح يوم الأربعاء الماضى حاولت مى منجود الهوارى التى أنهت دراستها بكلية الحقوق الدخول إلى جامعة الفيوم ومعها صديقة لها. أمن الجامعة تصرف التصرف الصحيح، ورفض السماح بالدخول الا لمن يحمل كارنيه دخول الجامعة طبقا للوائح والقوانين.

الطالبة هددت أفراد الأمن، ثم اتصلت مستنجدة بوالدها النائب البرلمانى منجود الهوارى عن محافظة الفيوم الذى لم يقصر وجاء على وجه السرعة إلى الجامعة!.

وبدلا من قيام النائب بتعنيف ابنته وزجرها وتلقينها درسا فى قواعد الأدب والأخلاق؛ لأنها حاولت مخالفة القانون، فإن النائب الفتوة تشاجر مع موظفى الأمن، وصفع إحدى الموظفات أمام الجميع.

ولم يكتف بذلك بل وأثناء دخوله مسرعا بسيارته إلى الجامعة فيما يشبه الاقتحام، كاد يصدم أحد الطلاب، فتدخل بقية زملائه، واعتدوا على سيارته، ويقال إنهم أعطوه علقة ساخنة، انتقاما لزميلهم وللموظفة، وكادوا يفتكون به.

هذه الحادثة، التى تبدو بسيطة، نموذج لحجم الخطر والفساد والانحطاط والبلطجة التى وصلنا إليها كمجتمع. وهى دليل على أننا نواجه مستقبلا قاتما، طالما استمرت هذه الظواهر من دون ردع.

هذا النائب يفترض أن الشعب انتخبه ليطبق القانون، وبالتالى كان مفترضا أن ينحاز إلى موقف موظفى الأمن الذين حاولوا الالتزام بالقواعد واللوائح، ويحييهم، ولكنه للأسف الشديد نسى كل ذلك وتحول إلى فتوة يصفع الموظفة، ويكاد يصدم أحد الطلاب.

للموضوعية لا ألوم النائب كثيرا، بل ألوم المناخ العام فى المجتمع الذى يسمح بمثل هذه الممارسات. لو أن هذا النائب كان يدرك أن القانون سيطبق عليه، ما كان تجرأ على فعل ذلك. ولو أن ابنته كانت قد تعلمت من والدها احترام القانون، ما تجرأت على هذه الفعلة النكراء، وكأنها ذاهبة إلى عزبتها، وما اتصلت بوالدها من الأساس!

المشكلة الأخطر هى الطريقة التى تصرفت بها إدارة الجامعة، حينما أحضرت جميع الأطراف وجعلت النائب يعتذر ويبوس رأس الموظفة، ويعلن أنه كان فى ساعة غضب ونرفزة، ثم ينتهى الامر، وكأن شيئا لم يكن.

كنت أتمنى من الدكتور خالد حمزة، رئيس الجامعة، وهو إنسان شديد التهذيب، أن يحيل الموضوع بأكمله إلى النيابة لكى تقتص للجامعة وشرفها وحرمتها واحترامها، ومازلت أتمنى من الوزير الدكتور خالد عبدالغفار إحالة الملف بأكمله إلى النيابة، والقضاء ليلقن هذا النائب درسا يكون عبرة لغيره..

النائب الفتوة لم يصفع الموظفة فقط، بل صفع الجامعة وتقاليدها وعلمها وكذلك كل ما هو محترم فى الجامعة والمجتمع. 
لم يكن مطلوبا إجراء «قعدة العرب» التقليدية وهى أن يبوس الفتوة رأس الضحية، وكأن شيئا لم يحدث.

هذا الأمر جربناه فى قضايا كثيرة من هذا النوع، أخطرها الاعتداءات التى يتعرض لها أحيانا بعض الإخوة الأقباط، خصوصا فى بعض قرى الصعيد، ثم إجراء نفس جلسات الصلح العرفية، وتنتهى المشكلة شكلا، لكنها تترك آثارا سرطانية فى جسد المجتمع.

قبل أسابيع قليلة اعتدى أحد المقاولين على منزل أسرة عميد قوات مسلحة متقاعد وحطم الفيلا، وعاث فسادا هو ومجموعة من البلطجية فى وضح النهار، لأن زوجته اشتكت أن الضابط طالبها بقيادة سيارتها بهدوء، حتى لا تصدم حفيدته. للأسف الشديد قدم المقاول الفتوة مبلغا ماليا للمعتدى عليه، وأفلت من العقاب القانونى وتصالحا عرفيا وأمام المحكمة.

ما هى الرسالة التى تصل إلى المجتمع من كل هذه الحوادث؟! الرسالة هى أن كل قادر، ومتنفذ وغنى وبلطجى يمكنه أن يفعل ما يشاء، يضرب هذا ويشتم هذا ويدمر ذاك، وفى النهاية، سيجلس الجميع فى جلسة عرفية، ويبوس رءوس المساكين الغلابة أو يدفع لهم مقابلا ماديا ضخما.

لكن الأخطر من كارثة جامعة الفيوم أن الطلاب وصلت إليهم رسالة، خلاصتها أن حقهم وكرامتهم سوف يأخذونها بأيديهم وليس عبر القانون.

مرة أخرى، ما يحدث شىء خطير جدا، وأتمنى أن يتحرك كل من يهمه الأمر لاتخاذ إجراءات تُوقف ظاهرة بلطجة وفتونة هذه الكائنات التى تدمر المجتمع بأكمله.

وأتمنى أن يبادر مجلس النواب إلى اتخاذ أى إجراء بحق هذا النائب الفتوة، قبل أن يتحول الأمر إلى عدوى تفتك بكل المجتمع.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved