طارق عبدالله الجمال

ليلى إبراهيم شلبي
ليلى إبراهيم شلبي

آخر تحديث: الإثنين 3 ديسمبر 2012 - 8:40 ص بتوقيت القاهرة

 لم أتخيل ان تجد كلماتى فى الأسبوع الماضى كل هذا الصدى الطيب فى نفوس أعزاء أفاضل من أصدقاء قدامى أو جدد تواصلوا معى للتأكيد على معنى سعيت إليه هربا من تلك الكآبة التى نتقاسمها جميعا. خطر لى أن إلقاء الضوء على مثل جاد للعلم الذى ينفع الناس أولى وأجدى من الانشغال بتشكيل الآية التى يعلى فيها القرآن شأن العلماء. إن رصد صورة ايجابية مضيئة لمركز زراعة الكبد بمستشفى المنصورة الجامعى عند تمام حالة زرع الكبد رقم مائتين فى هدوء دون ضجة أو ضجيج إنما هو ضوء كاشف لطرق كثيرة مظلمة انسقنا إليها. ان المقارنة الواردة تزرع الأمل فى النفوس المحبطة وتؤكد أن الآتى هو الأفضل.

 

تأكيدا لأثر الفكرة هاتفنى زميل أعتز بصداقته واحترم رأيه ليهدينى مثلا بديعا  آخر يصلح لأن ينضم لتلك المنظومة من العلماء المتفردين الذين يعملون فى تواضع الزهاد. طارق عبدالله الجمال أستاذ جراحة العظام بكلية طب أسيوط والذى قام بزراعة يد «محمود» ابن السنوات الأربع الذى فصلها عن جسده من منطقة الرسغ قطار منفلوط الغاشم.

 

استقبل مركز جراحات اليد الدقيقة «محمود» بعد نحو الساعة من حادثة قطار منفلوط على بعد عدة كيلومترات فالمركز يعمل أربعا وعشرين ساعة يوميا بلا انقطاع. المركز يعرفه كل أهل الصعيد منذ أسسه الدكتور الجمال منذ سبعة عشر عاما مضت. بدأ بمفرده بعد عودته من أمريكا والصين (تايوان) بعد ان تعلم وبرع فى جراحات اليد. يمارس الجمال ذلك النوع من الجرحات الدقيقة بصبر وشغف جعل من المركز منارة يأتى إليها كل من يرغب فى التخصص فيها من كل الجامعات المصرية والعربية بل أيضا من بلاد العالم فله الآن تلاميذ يمارسون تلك الجراحات الدقيقة فى فنلندا وإسبانيا.

 

كان من الطبيعى أن أتحدث للدكتور طارق الجمال اسأله إذا ما كان بمقدورنا أن ندعم عمله بأى صورة. أتانى رده فى بساطة متناهية «الحمد لله أظن أننا نؤدى ما علينا فاحتياجنا لإمكانات العمل تغطية الجامعة من ميزانيتها بينما الباقى تغطية التعاقدات. كل ما نحتاجه ميكروسكوب جراحى وخيوط جراحية وإبر من نوعية خاصة». بقى أن نعرف أن الدكتور طارق الجمال يصل ما انقطع حتى إذا لم يتعد طوله مليمترات قليلة. أنه يعيد زراعة اليد إذا ما تعرضت للبتر فى حادث، إنه أيضا يعيد زراعة العضلات إذاما  تعرضت للتدخل الجراحى فى حالات السرطانات أو غيرها بنقل عضلات من مكان آخر فى جسم الإنسان. إنه يعيد بناء العضلات والعظام برؤية فنان يدرك عظمة معجزة خلق الإنسان.

 

غادر «محمود» صاحب الأعوام الأربعة المستشفى بعد خمسة أيام قضاها فى الرعاية المركزة بعد أن تمكن الجراح طارق عبدالله الجمال من أن يعيد زرع يده اليمنى مرة أخرى إلى رسغه بعد أن بترها القطار. أظن صورته ستظل فى عقل وقلب محمود طوال عمره. أظن أسمه أبدا لن يتوه من ذاكرة الوطن.

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved