أجراس أزمة الثقة

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأربعاء 4 يناير 2017 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

حظر النشر فى قضية انتحار مستشار مجلس الدولة لم يوقف سيل التعليقات التى حفلت بها مواقع التواصل الاجتماعى فى بر مصر، البعض شكك فى صحة الرواية مثيرا السؤال: نحر أم انتحر؟. البعض الآخر سخر من القصة منطلقا من عدم تصديق وقائعها التى ذكرت وشكك فى الهدف من إطلاقها. فمن قائل أن المراد تشويه مجلس الدولة لتمرير التعديل المريب المقترح على قانون السلطة القضائية، وقائل بأن المستهدف صرف الانتباه عن التطورات المثيرة الحاصلة فى قضية جزيرتى تيران وصنافير.

لست فى وارد إبداء رأى فى الموضوع لأن ملاحظتى الأساسية تتمثل فى اتساع نطاق الشك فى التصريحات والبيانات الرسمية، ذلك أن صوت الشك كان عاليا فيما أعلن، وفيما سوف يعلنه الطب الشرعى الذى يفترض أن يحسم الأمر ويجيب عن السؤال: نحر أم انتحر؟. وهذه الشكوك ليست من فراغ لأن ثمة اقتناعا شائعا خلاصته أن الحسابات والملاءمات السياسية هى التى ستحسم المسألة. وليس تحقيقات النيابة أو تحريات الأمن أو تقارير الطب الشرعى. ذلك أن خبرات أهلنا فى مصر أقنعتهم بأن السلطة مهيمنة وممسكة بمفاتيح وخيوط كل تلك الجهات. والتوصيف الرائج فى هذا الصدد ينبه إلى أن السلطة تملك الأوراق والشهادات وبيدها الأحراز، كما أنها تملك أختام التصديق على كل شىء.

إذا دققنا فى خلفيات المشهد جيدا فسنجد أن عنصر الثقة فيما يصدر عن السلطة تراجع إلى حد كبير، ولئن تواترت الشهادات التى أيدت تراجع شعبية السلطة، وتحدث فى ذلك كثيرون، فلا نستطيع أن نتجاهل أن تراجع الثقة يعد أحد العوامل التى أسهمت فى تراجع الشعبية فنحن نعيش هذه الأيام أصداء الزلزال الذى ضرب المجتمع المصرى بعد رفع الأسعار وتعويم الجنيه، الذى قيل لنا أنه لن يؤثر على محدودى الدخل، فى حين ثبت أنهم على رأس الضحايا الذين قصمت الإجراءات الأخيرة ظهورهم. كما أن كثيرين لم يفهموا حكاية المشروعات العملاقة التى تنفق عليها المليارات فى حين أن سكان القبور فى مصر يتراوح عددهم بين مليون ومليونى مواطن، كما أن ثمة انهيارات مشهودة فى الخدمات الأساسية، فى الوقت ذاته فإننا نفهم أن تشيع البلبلة بين الناس حين يجدون التصريحات الرسمية تنفى التعذيب والاختفاء القسرى، فى حين أن التقارير الحقوقية المستقلة المحلية والدولية وثقت ما لا حصر له من حالات التعذيب والاختفاء. وتتضاعف البلبلة حين تتعدد المخالفات الدستورية فى قانون التظاهر والجمعيات الأهلية، وحين يصدم المجتمع بعبث السلطة بالحكم الإدارى الصادر بإبطال اتفاقية تيران وصنافير، من خلال إحالته إلى البرلمان رغم انعدامه من الناحية القانونية. الأمر الذى يعد إهدارا للقانون والدستور فى الوقت نفسه. وإذ يتصور الناس أنهم انتخبوا برلمانا يمثلهم ويحاسب الحكومة، فإذا هم يكتشفون أنه يمثل السلطة ويرفض رئيسه أى نقد للحكومة...إلخ.

مفارقات التناقض بين الأقوال والأفعال كثيرة. وأزمة حرية التعبير التى نشهدها الآن فى مصر جاءت لتنبه الجميع بأن الإصلاح فى مصر أصبح ينصرف فقط إلى المحاولات الجارية فى مجال الاقتصاد. وأن الإصلاح السياسى ليس مدرجا على القائمة، وأن حلم الدولة المدنية والديمقراطية كان انفعالا عارضا من أصداء ثورة يناير 2011، التى صار البعض يعتبرها غلطة ومؤامرة، جرى تصحيحها بإلغاء شعاراتها التى تمثلت فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
إن طريق استعادة الثقة لا سر فيه ولا سحر، والمشكلة ليست فى الاستدلال عليه، ولكنها تكمن فى توفر الاستعداد للمضى فيه والوفاء باستحقاقاته. وذلك الاستعداد لم تؤيده شواهد الواقع بعد، رغم أننا نقرأ عنه كثيرا فى صحف الصباح.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved