«مليونية» إهانة الجيش

وائل قنديل
وائل قنديل

آخر تحديث: الإثنين 4 مارس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

من حق أى مواطن فى مصر أن يقاطع الانتخابات، مرشحا أو مصوتا، ومن حق أى سياسى أن يرى فى الانتخابات سما قاتلا، ويفر منها ويهرب ويختبئ كما يشاء، وخلف ما شاء من حجج متناهية الضآلة والصغر، لكنه ليس من حق أحد لكى ينجز عملية الهروب والاختباء أن يشعل النار فى كل شىء، ويثير الغبار ويصنع الزوابع ويتهم الجميع بالجهل والتخلف، وينصب نفسه وكيلا للحكمة والحداثة والتطور.

 

ولا أحد يصادر حق أحد فى خوض صراع سياسى بكل ما أوتى من قوة لكى يغير نظاما أو يسقطه، لكن دون امتداد ألسنة الصراع إلى ما يجب أن يبقى بعيدا عن هذا المستنقع الآسن.

 

لقد جربت أطراف عديدة كل الوسائل لاستدراج القوات المسلحة للمشهد السياسى، وواصلت أطراف أخرى الليل بالنهار فى استدعاء العسكريين للحكم، والانقلاب على الوضع القائم، ليس حبا فى «العسكرة» وإنما كرها فى النظام المنتخب، وقد انتهت كل هذه المحاولات إلى شىء، والنتيجة الوحيدة الملموسة لها أنها أهانت العسكرية المصرية وأظهرتها وكأن أنصارها مجرد بضع عشرات من البشر تجمعوا فى «مليونية» فقيرة عددا وبائسة خطابا يوم الجمعة الماضى.

 

وكم كنت أتمنى أن يعلن الجيش المصرى تبرؤه منها مبكرا قبل أن تنعقد تلك التظاهرة المضحكة عند المنصة، بما يحمله هذا الموقع من دلالات وذكريات ليست فى صالح المؤسسة العسكرية بأى حال من الأحوال.

 

لقد شاهدنا العجب وسمعنا الأعجب فى هذه الدائرة الهزيلة من الهتاف، ورأينا نماذج ووجوها حفظتها الأعين من كثرة ظهورها فى مناسبات عديدة ضد ثورة 25 يناير، وتابعنا مفردات تحريضية ساقطة تستعدى الجيش على النظام السياسى وتطالبه بنزول هذه البركة العطنة من الصراع، والأخطر أننا تابعنا خوضا فى أدق الشئون الخاصة لقواتنا المسلحة وإطلاقا للكلام على عواهنه بخصوص قادة الجيش وأموره الداخلية، وكأننا فى مباراة لكرة القدم، كل يفتى ويقرر ويطلب ويحرض ويثير الفتن.

 

باختصار كانت مليونية للإساءة ــ كما وعددا وكيفا ــ وليس الدعم للقوات المسلحة، التى سبق لعديد من الحاشدين لهذه التظاهرة دعوتها للخروج من السياسة والعودة إلى الثكنات، بل وسيروا المظاهرات والمسيرات تهتف ضد بقاء العسكريين فى الحكم.

 

إن الذى يريد خيرا بجيش مصر عليه أن يتركه وشأنه، يحمى حدودها ويتفرغ لما خلق له، ولا يتعامل معه بهذه الانتهازية وهذا النزق، وليتذكر الجميع أن أفضل ما تحقق فى الشهور الأخيرة هو عودة القوات المسلحة إلى عليائها، بعد أن نزلت أكثر مما ينبغى إلى سفوح التورط فى معارك الشارع وحواديته واشتباكاته التى خدشت بهاء العسكرية.

 

وأظن أن عاقلا لا يتمنى العودة لتلك الفترة الحالكة التى سالت فيها دماء وتعكرت العلاقة بين الجيش ومعسكر الثورة.. وأزعم أن محبا لمصر لا يسعى إلى تحويلها إلى قبائل وطوائف تتصارع على مساحات النفوذ والتسلط.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved