بوشناق وظافر العابدين.. والقوة الناعمة

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 4 مارس 2016 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

فى القاعة الرئيسية بالمقر الجديد للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو» بالعاصمة التونسية، كان هناك جمع غفير من الوزارء والسفراء وكبار الدبلوماسيين والشخصيات العامة. وفى اللحظة التى ظهر فيها الفنان التونسى ظافر العابدين، هرول الجميع نحوه ليحيوه ويلتقطوا الصور التذكارية معه.

الاحتفال كان مخصصا لافتتاح المقر الجديد لمنظمة الالكسو صباح الثلاثاء الماضى. تحدث فيه كثيرون من اول الرئيس التونسى الباجى قايد السبسى والامين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربى نهاية بسفراء ومدارء حاليين للمنظمة. جميعهم قالوا كلمات طيبة عن التوحد العربى وضرورة حماية اللغة العربية. لكن عندما ظهر الفنان لطفى بوشناق على خشبة المسرح اختلف كل شىء. وحتى فى مجال تفوق السياسيين فى مهنة الكلام ونحت المصطلحات، كان لافتا للنظر ان بوشناق يجيد الصنعة ايضا. السياسيون قالوا كلاما عاديا ومكررا، لكن ما قاله بوشناق كان لافتا للنظر، قال الفنان التونسى الكبير وهو يتحدث عن اهمية الثقافة والقراءة وتنمية اللغة: «الكتاب هو الدروع العسكرية» ثم اضاف: «حى على الجهاد لكن بالعلم». لخص بوشناق فى كلمات قليلة المشهد بأكمله الذى يجهد الكثير من السياسيين والاعلاميين انفسهم لكى يصلوا اليه.

ومن التعبير الجيد عن نفسه، إلى تخصصه الاساسى وهو الغناء، فقد غنى فى هذا الصباح مع كوراله اغنية جديدة خصيصا لهذة المناسبة اسمها «المجد للكلمات».

فى المساء وعلى مسرح الاكروبليوم الشهير فى قرطاج غنى صهيب الحلبى، ولم اكن اعرف عنه الكثير لسوء حظى، ثم استمعنا إلى موشحات أندلسية شهيرة.

عندما غنى الحلبى «يا مال الشام يلا يا ماله.. طال المطال يا حلوة تعالى»، تفاعل معه كل من كان فى القاعة التى ضمت وجوها من كل البلدان العربية تقريبا، لدرجة انها كانت تشبه جامعة الدول. تمايل الجميع طربا مع الكلمات والموسيقى وفى هذة اللحظة ادركوا ان اغنية واحدة أو موشح قديم قادرة على تذكيرهم بأنهم أمة واحدة يجمعها اكثر بكثير مما يفرقهم.

فنان السهرة الرئيسى كان لطفى بوشناق وفرقته مرة اخرى. وهكذا كنا محظوطين ان نستمع اليه وجها لوجه فى الصباح والمساء.

غنى بوشناق ــ الذى انطلقت نجوميته من دار الاوبرا المصرية قبل نحو عشرين سنة ــ معظم اغانيه الشهيرة، والتف حوله غالبية من كانوا بالقاعة، خصوصا حينما غنى اغنيته الشهيرة جدا «أنا مواطن» التى كتب كلماتها الشاعر التونسى مازن الشريف ويقول فى مقطع منها مخاطبا الحكام العرب:

«حلمى كلمة وحدة يضل عندى وطن.. لا حروب لا خراب لا مصايب لا محن.. خدو المناصب والمكاسب لكن خلولى (الوطــــــــــــــــــــــن)».

وقبل الختام ألقى الشاعر الكبير جمال بخيت قصيدته الشهيرة «مسحراتى العرب» التى تحذر من الفرقة والانقسام وتحض على الوحدة العربية وحازت تصفيق الحاضرين الحار.

هل معنى ما سبق ان يجلس السياسيون فى بيوتهم، ونعطى الفنانين وعموم المبدعين سلطة الحكم؟!

بالطبع الاجابة هى لا، فكل فئة لها دورها ووظيفتها، لكن ما نريد ان نصل اليه ان النجوم والمبدعين فى كل مجال بما فيه مجال السياسة يمكن الاستفادة منهم فى توصيل الرسائل الايجابية للمواطنين، خصوصا اذا كان مثقفا ومهموما بالعمل العام.

بوشناق على سبيل المثال متفوق جدا فى اللغة العربية ويمكن ان يكون سفيرا حقيقيا لهذة اللغة لدى كل العرب. شىء من هذا القبيل دعا اليه احد مسئولى وزارة التعليم المصرية خلال الاحتفال بتدشين المقر الجديد فى حضور الوزير الهلالى الشربينى، الذى قال انه تم اختيار بوشناق ليكون سفيرا لوزارة التعليم المصرية، ويبقى الاهم تفعيل هذه الفكرة على ارض الواقع.

ظافر العابدين ايضا صار له جمهور كبير خصوصا بين الشباب وبالأخص الشابات ويمكن التفكير فى طرق لاستغلال هذه الشعبية فى حملات اعلامية ايجابية.

وهكذا فى كل المجالات، لو اننا فكرنا فى الاهتمام بتحويل نجومية وشهرة الرموز وهذه القوة الناعمة إلى اعمال ايجابية، فربما نستطيع ان نحسن قليلا فى وقف الانهيار الشامل فى العالم العربى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved