ثلاثة دروس من انتخابات الرئاسة

سامر سليمان
سامر سليمان

آخر تحديث: الإثنين 4 يونيو 2012 - 8:30 ص بتوقيت القاهرة

واحد: لا تترك نفسك لاستطلاعات الرأى:

 

لم تنجح كل استطلاعات الرأى قبل انتخابات الرئاسة فى قياس اتجاهات التصويت، لكنها بالتأكيد أثرت فيها. قبل موعد الانتخابات الرئاسية بعدة أيام ظهر استطلاع رأى من أحد المراكز يضع أحمد شفيق فى المركز الأول متقدما على عمرو موسى الذى جاء فى المركز الثانى. هل يمكن القول فى ضوء نتائج الانتخابات أن هذا الاستطلاع كان أكثر دقة من الاستطلاع الآخر الذى أعطى موسى المرتبة الأولى؟ ليس بالضرورة. لأنه من المحتمل أن تكون تلك الاستطلاعات التى وضعت شفيق فى المقدمة قد ساهمت فعلا فى سحب كثير من التأييد لموسى ومنحه لشفيق على أساس أنه الأقدر على الفوز. هذا ما يمسى ب«التنبؤ المحقق لذاته». وهو يتجلى بأوضح صوره فى البورصة. فلو نجحت فى بث شائعة فى البورصة أن أسعار الأسهم ستنهار. غالبا ما سيهرول العديد من الناس لبيع الأسهم الأمر الذى سيؤدى فعلا إلى انهيارها.

 

الحقيقة أن استطلاعات الرأى قبل الانتخابات فى أى بلد هى وسيلة لصناعة هذا الرأى وليس فقط لقياسه. لكن تأثير هذه الاستطلاعات الإحصائية والاستطلاعات الشخصية (التى يقوم بها كل منا فى دائرة معارفه) كان طاغيا فى الحالة المصرية. لماذا؟ لأن الناخب كان فى حيرة شديدة. فهو يمارس انتخاب رئيس الجمهورية للمرة الأولى فى حياته. وهو أمام مجموعة من المرشحين لا يعرفهم جيدا وغالبا غير مقتنع تماما بأى منهم، ولأن معظم الناخبين كانوا مهمومين كثيرا بإسقاط مرشح معين أكثر بكثير من إنجاح مرشح آخر. هذه العوامل فتحت المجال أمام التلاعب فى اتجاهات الناخبين بإقناعهم مثلا أن شفيق هو الوحيد القادر على إزاحة مرشحى الإسلام السياسى وليس عمرو موسى أو أن أبوالفتوح هو الوحيد القادر على هزيمة مرشح الإخوان وليس أحدا آخر. لقد مالت نسبة كبيرة من المصريين للتصويت ليس للمرشح الأقرب لهم ولكن للمرشح الأقدر على هزيمة من يكرهون. وهذا ما لخصه أحد الظرفاء بعبقرية حين قال إن معظم المصريين يحبون مرشحا ما، لكنهم سيصوتون لواحد ثان، حتى لا ينجح واحد ثالث».

 

هذه هى خطورة الدفع بالناس لما يسمى بالتصويت الاستراتيجى ومفاده أنك يجب أن تجعل صوتك مفيدا وأن تستغله لصالح مرشح لديه فرصة للنجاح. بل وتمادى البعض واتهم غيره بأنه متعالٍ على الشعب لأنه لا يريد التصويت فى الاتجاهات الرئيسية، وإنما يصر على التصويت النخبوى. وما يغفله هذا المنطق هو أن الدعوة للتصويت الاستراتيجى هى دعوة نخبوية. من يملك معرفة الاتجاهات الاستراتيجية غير النخبة؟ من يمتلك الأدوات لقياس الرأى العام غير النخبة؟ الدرس الأساسى الذى نخرج به من هذه الانتخابات هو الآتى: لا تصوت إلا لمن يرتضيه عقلك. فإذا حيرك عقلك استخدم حدسك وقلبك. فالقلب أحيانا يكون أسرع فى معرفة الحقيقة من العقل. صوت لمرشحك بغض النظر عن استطلاعات الرأى. فإذا سقط مرشحك فقد ربحت أنك أثبت أن هناك طلبا فى مصر على هذا النوع من المرشحين، الأمر الذى سيكثر منهم فى المستقبل. بل وقد تحدث المفاجأة، ويفوز مرشحك الذى لم تعطه استطلاعات الرأى أى فرصة. ألم يكن حمدين صباحى قاب قوسين أو أدنى من الفوز؟

 

 

اثنين: لا تخجل من الدفاع عن مصالحك «الفئوية» المشروعة:

 

تقول الأغنية الشهيرة: «ما نقولش إيه اديتنا مصر، نقول حندى إيه لمصر». هذا حق يراد به باطل. معظم الكلام (معظمه وليس كله) الذى يقال عن المصلحة الوطنية ومصلحة الثورة هو تضليل. لا أحد يملك احتكار معرفة المصلحة الوطنية. نحن مختلفون حول ماهية هذه المصلحة. جزء من هذا الاختلاف نابع من تباين فى الرأى والمنهج، وجزء أكبر نابع من تباين فى المصالح أو فى ترتيبها. كل منا أدرى بمصالحه. أما المصلحة الوطنية فهى حاصل جمع المصالح المشروعة لمختلف فئات وجماعات الشعب. لو كل فئة عبرت بصراحة عن مصالحها المشروعة وصوتت لصالح هذه المصالح فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية سيكون من المتيسر تجميع هذه المصالح والتوفيق بينها. لكن لو أصر كل شخص وكل جماعة على الادعاء بأن اختياراتهم فى التصويت نابعة من المصلحة الوطنية وفقط فلن نتقدم خطوة لأن الكلام سيغلب عليه المزايدة والادعاء.

 

بعبارة أخرى، إذا كنت فقير فمن حقك أن تصوت لمن تقتنع أنه قادر على إنقاذك من الفقر، وإذا كنت مسلما وسطيا أو مسيحيا، فمن حقك أن تصوت لصالح من تقتنع أنه قادر على حمايتك من التطرف الدينى. كاتب هذه السطور مختلف مع العديد من المسلمين المعتدلين والمسيحيين الذين صوتوا للفريق شفيق من منطلق أنه الأقدر على مواجهة التيار المتشدد. لقد استلم العسكر الحكم سنة 1952 حين كان التيار الإسلامى أحد التيارات الرئيسية جنبا إلى جنب مع التيارات الأخرى. وفى خلال ستين سنة استطاع هذا التيار تحت حكم العسكر أن يتحول من تيار قوى إلى التيار الأقوى بمسافة كبيرة عن بقية منافسيه. هنا أنا أختلف معك فى تقدير كيفية الدفاع عن مصالحك المشروعة فى حماية نفسك من طغيان تيارات متشددة، ولكنى لا أنكر هذه المصلحة. بالمثل من حقك أن تصوت للفريق شفيق بناء على قناعتك بأنه الأقدر على توفير الأمن لك ولأسرتك، لأن الحصول على الأمن هو مصلحة مشروعة. لكنى اختلف معك فى أن شفيق هو الأقدر على تحقيق الأمن. على أن خلافى معك يجب أن ينطلق بادئ ذى بدء من احترامى لمصالحك المشروعة فى الحصول على الأمن. وهذا ما لم تنجح فيه إلى حد كبير الحملات المنافسة للفريق شفيق التى ركزت على أنه «فلول»، وهى التهمة التى لم ينكرها. هزيمة شفيق كانت تتطلب رسالة مختلفة لبعض جمهور شفيق من غير المنتمين لشبكات مصالح وفساد الحزب الوطنى. ومضمون هذه الرسالة هى: نحن نحترم مصالحكم المشروعة ولدينا منهج أفضل فى تحقيقها. أما التعالى على هذه المصالح ورمى أصحابها بالأنانية والخيانة، فهذا إما مراهقة سياسية أو عدم المبالاة أصلا بالمصالح المشروعة للناس أو العداء لها.

 

هل هذا يعنى أن المصالح فقط هى ما يحرك الناس؟ كلا. هناك شىء يسمى التضحية. والدليل على ذلك هو آلاف الشهداء والمصابين فى الثورة وبعدها. لكن الحسابات السياسية يجب أن تقوم على حقيقة أن التضحية هى الاستثناء وليست الأصل، كما يجب أن يتأسس على الاعتراف أولا بالمصالح. فلكى أضحى بمصالحى يجب أولا أن أدرك هذه المصالح لكى أضحى بها. وعلى من يطالبنى بالتضحية أن يعترف أولا بأننى أضحى وعليه هو أيضا أن يبدى بعض إمارات التضحية. وألا سيكون مثل أعداء المظاهرات «الفئوية» من أصحاب السيارات الفارهة والمساكن الفخيمة الذين كانوا يتأففون من نضال العمال والموظفين للحصول على بعض الجنيهات الإضافية لأجورهم المزرية ويطالبونهم بالتضحية والصبر، بينما لم يبدوا هم أى استعداد بعد الثورة لدفع قرش واحد فى ضريبة عقارية لن تصيب إلا الأثرياء الميسورين من الطبقات الوسطى. وهكذا تظل الضريبة العقارية حتى اليوم فى أدراج وزارة المالية.

 

 

ثلاثة: لا ترهق نفسك فى معرفة السيئ من الأسوأ

 

واعمل لصالح الأفضل:

 

إذا كان تقييمك لمصالحك أو للمصلحة الوطنية يقول لك إن مرسى أرحم من شفيق أو العكس فلا تتردد فى التصويت له. إما إذا كنت مثلى لا تعرف حقا من أسوأ مِن مَن، فليس هناك ما يدعو إلى الإطلاق أن يتم دفعك من جانب أنصار شفيق أو مرسى للتصويت لأحدهما. لا تصدق أى تحليلات من الخبراء تقول لك إن فلانا أرحم من فلان. أولا لأن هؤلاء الخبراء اختلفوا على المرشح صاحب التأثير الأسوأ على مسار التحول الديمقراطى والنمو الاقتصادى والأمن. وثانيا لأنه من شبه المستحيل الجزم بمن منهما أكثر خطورة على مجموع مصالح المصريين. فسيناريو حكم مرسى فيه من العوامل الكثيرة المؤثرة عليه التى لا يمكن التنبؤ بمسارها. الأمر بالمثل ينطبق على شفيق. ومن هنا فخيار المقاطعة أو إبطال الصوت هو خيار إيجابى ومناسب لبعضنا. خاصة أن الانتخابات برغم ما انتهت إليه من وضع بائس فى الإعادة، فقد حملت مفاجأة سارة فى الجولة الأولى، وهى أن الكثير من المصريين لا يريدون شفيق أو مرسى، وأنهم يرغبون فى طريق ثالث عبر عنه بعض المرشحين مثل صباحى وخالد على وبدرجة أقل أبوالفتوح. هؤلاء الناس يستحقون منا كقوى سياسية وكجماعات ثورية أن ننظم صفوفنا وأن نبحث معهم كيف سنواجه مخاطر الرئيس مرسى، أو مخاطر الرئيس شفيق، وكيف سنقيم تنظيمات سياسية فعالة قادرة على إخراج مصر من ورطة المفاضلة بين ثنائية العسكر والإخوان التى أعاقت تقدم مصر لعقود طويلة. هذا بالتأكيد أنفع من الدخول فى جدل عقيم مع أنصار مرسى أو شفيق حول من هو الأرحم. وهذا بالتأكيد أفضل من ترك صوتك الداخلى يتأرجح بين مرسى وشفيق. لا تترك الوسواس ينهش عقلك. لقد نجحت الثورة المجيدة عندما تحرك الناس لصناعة مستقبل أفضل وليس للهروب من مستقبل أسود. فلنعمل على إنجاح البديل الثالث من الآن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved