الأطلسى بحر فى برامج الصباح الإخبارية!

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 4 يونيو 2017 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

بين محطات الأيام الطويلة والمرهقة والتنقل بين مدينة وأخرى حتى أنها فى إحدى المرات قالت: استيقضت لأتحسس تضاريس الغرفة وأتساءل فى أى مدينة أنا؟ وبأى غرفة بأى فندق؟ وقبل أن تجيب استدركت أن اليوم الطويل قد بدأ ولا وقت إلا للتحرك سريعًا كما هو نبض الحياة اليوم للكثيرات والكثيرين.. وهى تحضر نفسها للكثير من الاجتماعات واللقاءات وأوراق العمل المستعصية وراحت تقلب بين محطات التلفاز لتلاحق الأخبار سريعًا.. تعرف أن لليل حياة أيضًا ولذلك ففى الساعات القليلة التى نامت بها قد تكون سقطت مدينة أو ربما بلد!
***
جاء مذيعوا برامج الصباح فى المحطات الإخبارية العربية بكثير من استظرافهم وسماجتهم وقلة الخبرة والمعرفة.. تعرف أن عليها أن تتحملهم حتى موعد موجز الأخبار ولكنها لم تستطع أن تتفادى ما قاله ذاك الشاب الذى اختير حتمًا لجنسيته وشكله فقط فى تلك المحطة الخاصة جدًا التابعة لسياسات ذاك البلد. استوقفها حديثه عن مدينة مغربية قال: إنها تطل على «البحر الأطلسى» ثم عاد محاولة تصحيح التسمية ليقول المحيط المتوسط عندها يبدو أن المعد صرخ فى سماعة أذنه فصحح المعلومة ليقول: «طبعًا طبعًا المحيط الأطلسى» وقهقه كثيرًا وكذلك الشابة الجميلة التى تحمل نفس الجنسية وقد اختيرت لنفس تلك الأسباب من قبل مدير المحطة العتيد!
***
بغضب شديد تنتقل للمحطة الإخبارية الأخرى الأكثر انتشارًا كما يقولون فتأتيها صور متكررة لشاب وشابة كل ما يملكونه هو الملامح الشابة النضرة والجميلة طبعًا والشاب مفتول العضلات أصول الموضة المنتشرة.. يتكرر المشهد فى شكل من أشكال التسطيح على الرغم من أن هذه المحطة هى قريبة جدًا من تيارات كثيرة تعتبر محافظة جدًا وبعيدة عن الاهتمام بالمظهر فى مقابل الجوهر! أو ربما هو النفاق السياسى المتكرر ومحاولة التسويق وتغيير الملامح وخداع المشاهد العربى البرىء الباحث عن الواقع وليس روايات متعددة له لا تشبهه فى شىء.
***
فى محاولة من كل تلك المحطات الإخبارية العربية لتناول برامج الصباح على النمط الأمريكى المسطح حد التفاهة والرامى إلى تسطيح المسطح وتجهيل الجاهل ونشر الاستهلاك المغمس ببعض الغمز واللمز على السياسات التى تقوم المحطة بالدفاع عنها بشكل مستميت، لا براءة فى تقاصيل الإعلام، انظروا ما يحدث اليوم من انقسام فى المحطات الخليجية حد الفجاجة والابتعاد عن الموضوعية بل وفى الكثير من الأحيان الاستخفاف بذكاء المشاهد العربى الذى احتار من أين يعرف الواقع والخبر أو حتى إذا كان الأطلسى محيط أم بحر!.
***
عندما اتجهت العديد من الدول إلى الإعلام كوسيلة لنشر وجهات نظرها وليس لنشر الوعى والمعرفة حتى يكون المواطن العربى أكثر قدرة على الاختيار وأخذ المواقف إذا استدعى الأمر، قال المواطن العربى حينها: إن مزيدًا منها سينشر معرفة أكثر وأن فى التنافس فوائد عدة وتحمل عبء التنقل بين المحطات الخمس أو الست لمعرفة أصل الخبر أو التوصل للتعرف على ما يحدث فى ذاك البلد العربى أو الآخر خاصة وأن أجندات هذه المحطات أصبحت أكثر وضوحًا منذ 2011 عندما انتفض كثير من العرب شباب ونساء وشيوخ وأطفال من أجل الكرامة التى انتزعت من قلب هذه المنطقة منذ سنين !
***
استبشر العرب خيرًا باكتظاظ الفضاء وازدحامه بالمحطات المتنوعة والتى ما لبثت وأن تحولت إلى أداة إعلامية فى يد السلطة فى صراع دموى وعبثى سينقل المنطقة حتمًا إلى قاع الجحيم، فأصبح أداة لنشر التفرقة والكذب أو إنصاف الحقائق أو الروايات المختلفة لنفس الحدث؛ وهذا الأكثر خطورة التسطيح السمج جدًا كمثال برامج الصباح التى كانت حتى وقت قريب الأبعد عن السياسة والأقرب إلى برامج منوعات مع بعض التطعيم بالثقافة.. ولكن عندما يصبح المعيار فى اختبار المقدمين هو المظهر فقط ولا شىء غيره يصبح الأطلسى بحرًا حتمًا وينتشر الجهل المحدث عبر أدوات حداثية جدًا، فنصبح جميعًا ضحايا ومجرد رعايا فى ظل عدم توفر أدوات تعمل على نشر وفضح كل هذا التسيسس والتسطيح والانقسام.. رحمة بالعربى الجالس هنا وهناك المتشوق لبعض من الأمل فى مراحل الانحطاط.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved