تحت السيطرة

كمال رمزي
كمال رمزي

آخر تحديث: السبت 4 يوليه 2015 - 11:10 ص بتوقيت القاهرة

الأدق، أن يكون عنوان هذا المسلسل الممتع الراسخ، هو «خارج السيطرة»، ذلك أن السقوط المتوالى لأبطاله ــ حتى الآن ــ يبدو كما لو أنه حتميا، يتجاوز موانع المجتمع، الرازح أصلا فى الأخطاء، ولا يستجيب لإرادة الضحايا المتخاذلة. لكن أغلب الظن، أن كاتبة السيناريو الماهرة، مريم نعوم، الأقرب للجراح المتمكن، وبدافع من الذوق والأمل، شاءت العنوان الحالى، الذى ربما تؤكده الحلقات القادمة.

قبل الحديث عن هذا العمل التنويرى التحذيرى، يجدر بنا استنكار القضيتين الظالمتين المرفوعتين ضد المسسل. إحداهما من محامٍ دأب على ملاحقة الأعمال الفنية غالبا، من دون وجه حق، كما الحال مع «تحت السيطرة»، بزعم أنه يروج «للرذيلة ونشر الفساد، بسبب انتشار مشاهد الخمور وتعاطى المخدرات». والحق أن تلك المشاهد المشحونة بالمهانة، تدفع المتابع لها، إلى كراهيتها وتجنبها. فما هو الترويج فى مواقف نرى فيها مجسدا، ذلك الانهيار النفسى، والبدنى، لكل متعاط للمخدرات؟

القضية الثانية، تتعلق بالدعوة التى أقامها «نقيب المرشدين السياحيين» بادعاد أن مرشدا يظهر فى «المسلسل»، كمدمن ونصاب. ولعل الواقع هو الذى يفند هذا الكلام، ويؤيد، على نحو أوسع وأعمق، ما جاء فى «تحت السيطرة»، فوزير الصحة المصرى الدكتور عادل عدوى، أعلن رسميا، أن عدد المدمنين فى مصر يتجاوز ثلاثة ملايين مواطن، من مختلف المهن والأعمار والطبقات. المشكلة ليست قاصرة على المدمنين وحسب، بل تمتد لتشمل أعضاء أسرهم المنكوبة.

بعيدا عن مثل هذه القضايا، التى تشوش على العمل الفنى، وربما تروج له على نحو ما يمكن القول، إن أسباب النجاح توفرت فى هذا المسلسل، فإلى جانب النص المعتمد على خبرة بالحياة ودراية بتفاصيل سلوك المدمن وتقلباته، ثمة المخرج الأقرب إلى المايسترو المرهف، تامر محسن، يتمكن من إطلاق الطاقة الإبداعية لفريقه، وعلى رأسه نيللى كريم، القادمة من عالم الباليه، إلى حفل التمثيل، حيث تمكنت من تحويل جهها إلى فرقة باليه كاملة، تعبر بملامحه عن شتى العواطف، تنتقل بنعومة من إحساس لآخر، ومن حال لحال.

نيللى كريم فى دور «مريم»، تعانى من وهن الإرادة، تعود إلى القاهرة مع زوجها «حاتم» الذى يؤدى دوره الممثل التونسى ظافر العابدين، يعد مكسبا للشاشة المصرية، وقد أخفت عنه بعض وقائع حياتها، مثل انزلاقها فى الإدمان لفترة، ووفاة حبيب لها إثر جرعة زائدة. الزوج الرومانسى الغاضب ينفصل عنها، حين يعلم بهذه الأمور، ذلك أنها لم تصارحه بكل ماضيها.

«مريم»، المهزوزة نفسيا تدخل من جديد، عالم الإدمان الوحشى المدمر، وندخل معها لنرى عن قرب، كيف تحول المخدرات بقسوة الإنسان إلى ما يشبه النفاية البشرية.

كما فى الحياة، كذلك فى المسلسل تتباين الطباع بين الناس، تختلف استجاباتهم فى الأحوال المتشابهة، هنا، لا أحد فى تعاطيه يشبه الآخر. «مريم»، المنساقة الضعيفة الإرادة، يرتسم على وجهها مزيج من القلق والندم، مع اهتزاز الجسد وكسل فى الكلام. عيون نصف مغمضة بجفون أقرب للدوائر السوداء. «طارق»، بأداء أحمد وفيق، الجامح، بؤرة الدمار الكئيبة، يتسم بالبلادة، لا يريد عادة القيام من النوم.. «على»، بأداء محمد فراج، موغل فى الإدمان، يميل للعنف اللفظى، عدوانى، لا أخلاق له.

تتوالى النماذج، تتشابك العلاقات، تنسجها مريم نعوم بمهارة. لكن من بين الجميع، تنهض ممثلة واعدة، نحيلة الوجه والبدن، متفجرة بالحياة والحيوية، اسمها جميلة عوض، حفيدة الكوميديان محمد عوض، تجسد شخصية «هانيا»، الطالبة الجامعية المتفوقة، تعيش مع والدتها الحانية، قليلة الحيلة «جيهان فاضل»، بينما الأب يعمل فى الخارج. «هانيا»، ذات الشخصية القوية، تندفع بإرادتها نحو الإدمان، لا يوقفها الضمير أو توسلات الأم، لا تتورع عن سرقة حليات والدتها الذهبية، إنها برغم ضآلة جسمها، أقرب للعاصفة الهوجاء.

داخل مركز العلاج، الذى يديره مدمن متعافٍ، يجيد الإصغاء، يعد صوت المؤلفة، «شريف» ــ هانى عادل ــ نستمع، فى جلسات المصارحة، إلى متاعب ومخاوف حالات محبطة، ويحسب للمسلسل أنه لا يختلق لهم الأعذار، ولكن يتفهم أوضاعهم، وهم أنفسهم ساهموا فيها بطرق مختلفة.
برغم اختلاف طبائع المدمنين، إلا أنهم جميعا، يشتركون فى صفة رئيسية، هى الكذب والقدرة على المراوغة، لذا فإن «شريف» ــ صوت الكاتبة، يحذر الأهالى، من تصديق حكايات البرادة التى يرويها المدمن، لأن الأهالى يريدون تصديق الترهات المطمئنة.

«تحت السيطرة» لم ينته بعد، لكن ما يشاهدناه يشير إلى أننا أمام عمل، برغم قسوته، يستحق المتابعة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved