تحقق الحلم وأصبحت تركيا دولة مدنية

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الخميس 4 أغسطس 2011 - 9:12 ص بتوقيت القاهرة

 كانت استقالة القائد العام للقوات المسلحة التركية مع قادة الأسلحة البرية والجوية والبحرية الأسبوع الماضى الورقة الأخيرة فى اللعبة بين العسكر والمدنيين فى تركيا. ولا يمكن إطلاق صفة النظافة على أساليب ممارسة اللاعبين للعبة، فقد استخدما كل ما فى حوزتيهما من مصادر قوة وعنف وخديعة ومنها الإعدام شنقا لأحد رؤساء الجمهورية وكان منتخبا من الشعب. كانت تهمته المعلنة «تجاوزه لصلاحياته التى منحته إياها المؤسسة العسكرية التركية».

اعتمدت المؤسسة العسكرية خلال معظم القرن على ظروف مواتية، أولها الدعم الجماهيرى الهائل للنظام الأتاتوركى الذى تعهد بإزالة أسس الدولة الدينية التى تردى حالها وهى التى أودت بتركيا إلى هزيمة ساحقة فى الحرب العالمية الأولى. هذه الهزيمة كانت الفرصة الأعظم التى سمحت للقوى الأوروبية بتغيير خريطة الشرق الأوسط.

توفر الظرف الثانى بنشوب الحرب الباردة، إذ عرف العسكريون الأتراك كيف يستثمرون موقع تركيا الجغرافى وولاءهم المطلق للغرب ليحصلوا على دعم غربى أيضا مطلق لاستمرار هيمنة العسكر على الحياة السياسية فى تركيا.

• • •

ومع اقتراب القرن من نهايته بدأت الظروف تتغير. كانت الوحدة الأوروبية تتقدم على كل الأصعدة ومع تقدمها وبسببها تقدمت أحلام الشعب التركى فى الاندماج فى أوروبا. هنا وقع العسكريون فى ظرف شديد التعقيد. فالشعب وبخاصة الطبقة السياسية تضغط لتكثيف مساعى الاندماج وتوفير الشروط اللازمة، وفى الوقت نفسه الغرب يضغط على عسكر الأتراك لإدخال إصلاحات دستورية تقلص هيمنتهم على الحكم. بهذا المعنى لعب «الخارج» دورا لا يمكن تجاهله فى تحريك تركيا بسرعة أكبر نحو التغيير وهو نفس الدور إلى لعبه مع الطبقة العسكرية فى أمريكا اللاتينية.

من ناحية اخرى، أثارت الرغبة فى الالتزام فى اوروبا الموحدة مشكلة الهوية الوطنية والاسلامية لتركيا، وخرجت من عباءة المعارضة المدنية قوى سياسية ترفع شعارات اسلامية، هنا أيضا وجد العسكريون أنفسهم فى موقف معقد، فالعلمانية، التى تبرر استمرار هيمنتهم، مهددة وبديلها تيار اسلامى يزحف نحو السلطة بالطرق الديمقراطية. حينئذ قرروا استخدام العنف فأطاحوا بأربكان فى 1997، وهو العام الذى يعتبره بعض علماء السياسة الأتراك، بداية النهاية للنظام العسكرى الأتاتوركى، وكانت المرة الأخيرة التى يتدخل فيها الجيش ضد رئيس أو حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا.

ومنذ عام 1997، بدأت المؤسسة العسكرية تمارس نوعا آخر من العنف وهو ممارسة عمليات تخريب ضد الحكومة المدنية وآخرها حكومة الطيب أردوغان واستخدمت بعض ما تبقى لهم من صلاحيات، مثل المشاركة فى اتخاذ القرارات فى شأن الأمور الأمنية وبشكل خاص كل ما يتعلق بالأكراد. وردت الحكومة باتهام الجيش بالفشل فى آخر مواجهة عسكرية له مع المقاومة الكردية فى مناطق جنوب شرق تركيا مما اضطر الحكومة المدنية إلى استخدام قوات الأمن الداخلى وسحب قوات الجيش، وهو الإجراء الذى اعتبره الجيش إهانة لا تغتفر.

كذلك استخدم العسكريون سلاح التهديد بالانقلاب العسكرى و تصدت لهم الحكومة المدنية وساندتها كل قوى المعارضة السياسية، فأصدرت أوامرها باعتقال ضباط عديدين تتهمهم بتدبير انقلاب والتخطيط لعمليات تخريب واسعة. شملت الاعتقالات 192 ضابطا منهم 22 اعتقلوا هذا الأسبوع بتهمة شن حملة ضد الحكومة المدنية على الانترنت، كان بين المعتقلين أربعون ضابطا برتبة جنرال وبعضهم حل دوره فى الترقيات الدورية.

من ناحية أخرى، استغل أردوغان انخفاض معنويات المؤسسة العسكرية نتيجة هذه الاتهامات وتخلى الرأى العام عن تأييدها حسب قياسات الرأى التى جرت، فأعلن نيته تعديل الدستور الذى وضع تحت إشراف القيادة العسكرية التركية عام 1980. ورغم ضعفها رفضت المؤسسة العسكرية أى تعديل للدستور يخرجها من المعادلة السياسية مما دفع أردوجان إلى إجراء استفتاء حصل به على تأييد الشعب. بمعنى آخر يكون الشعب التركى قد قرر فى استفتاء عام « انتهاء عصر الهيمنة العسكرية على الحياة السياسية التركية».

• • •

تدخل تركيا ونحن أيضا مرحلة جديدة. اليوم تقوم فى تركيا الجمهورية الثانية فى الوقت الذى تستعر فيه ثورات فى العالم العربى على طريق تحقيق نفس الهدف وهو إقامة الجمهورية الثانية فى عدد من أقطاره. يخطئ من يعتقد أن العودة إلى الوراء هنا أو هناك ممكنة، ويخطئ أيضا من يعتقد أن جهود العودة إلى الوراء ستتوقف.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved