تأملٌ فى تبرير الجريمة

نادر بكار
نادر بكار

آخر تحديث: الثلاثاء 4 أغسطس 2015 - 8:05 ص بتوقيت القاهرة

القاعدة العامة فى مرتكب الجرم مهما كانت درجته أن يبرر هذه الفعلة أمام نفسه أحيانا وأمام الناس أحيانا أخرى... بالتصريح تارة وبالتلميح تارة أخرى...لا تدرى أهو إسكاتٌ لإلحاح بقايا نفسه اللوامة، أو هو مدفوعٌ برغبة فطرية فى الظهور أمام الناس مستور العورات؟ قليل جدا من يتعمد إضاعة أى فرصة لتبرير جرائمه بالكذب أو التأويل أو التماس الأعذار الواهية... وأقل منهم من يعمد إلى ارتكاب الإثم حبا فى الشر نفسه، وعلى رأس هؤلاء إبليس طبعا.

إخوة يوسف، برروا لأنفسهم الجرم قبل ارتكابه، ألقوا بلائمة ومسئولية حقدهم وحسدهم وانحراف فطرتهم على أبيهم، تواصوا فيما بينهم أن أباهم أخطأ بما ظنوه هم تفضيلا لأخيهم الأصغر عليهم قالوا (إن أبانا لفى ضلال مبين).... بهذه الحجة برروا خطفا وقتلا وقسوة وعقوقا وتقطيع رحم!

حاولوا تزيين العاقبة (يخل لكم وجه أبيكم).... ثم لما اكتشفوا أن هول ما سُيقدمون عليه لا تشفع فى تزيين قبحه مثل هذه النتيجة استدركوا قائلين لأنفسهم (وتكونوا من بعده قوما صالحين) أرادوا التخفيف من وطأة الجرم بالتواصى على التوبة والالتزام بمسلك الصالحين... والحق أنهم كذبوا فى التدليس على بقايا فطرتهم وكذبوا أيضا فى عزمهم على التوبة!

لما قابلوا يوسف وهم إذ ذاك لا يميزونه، وجرى بينهم ما جرى واتهم أخاهم بالسرقة، بادروا من دون تفكير بنفى عار الجرم عن (عُصبتهم) ولم يفكروا للحظة فى الدفاع عنه... (قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل)... المتهم أخوهم غير الشقيق، صغيرٌ السن لا يجسر على سرقة فى أرض غريبة وهو فوق ذلك زكى النفس عفيفها.. يعلمون عنه ذلك تماما كما علموا عن أخيه يوسف... وسرقة المال جديرةٌ بهم هم وقد أقدموا على ما هو أبشع منها بسرقة الولد من أبيه.... لكن (بنيامين) كان يذكرهم بيوسف... يذكرهم ببراءته... مازال يوسف ماثلا فى أذهانهم يذكرهم بخطيئتهم رغم مرور كل هذه السنين ورغم انقطاع أخباره... تٌلح صورته على مخيلاتهم فيزدادون عليه حقدا بدلا من أن ترق قلوبهم وتحن إلى توبة ٍتواصوا بها قبل فعلتهم... لكنها كما أخبرتك.. توبة كاذبة!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved