فجر كوكب القرود

كمال رمزي
كمال رمزي

آخر تحديث: الخميس 4 سبتمبر 2014 - 7:40 ص بتوقيت القاهرة

مشوار طويل قطعته السينما الأمريكية مع القرود، يرجع للعام 1933، حين ظهر «كنج كونج» لأول مرة، على الشاشة الفضية: عملاق، من فصيلة الغوريللا، يكمن تحت مظهرها الوحشى قلب عامر بالرقة، يخفق بحب الجميلة، الممثلة «آن»، المرعوبة منه فى البداية، الميالة له فى النهاية، الباكية من أجل مصيره الدامى، حين تتكالب عليه قوات الشرطة والجيش، مدججة بالبنادق والمدافع والصواريخ والطائرات، لترديه قتيلا، فيسقط، مضرجا بدمائه، من أعلى ناطحة سحاب فى نيويورك.

توالت سلسلة أفلام «كنج كونج»، حاملة معها المزيد من التمكن الحرفى، بفضل التقنيات التى لا تتوقف عن التطور، وظلت فى بعد من أبعادها، محافظة على رومانسية وبراءة الحيوان الضخم، المخيف، مقابل دناءة، وشراسة، ولؤم سكان المدينة الحديثة، الأقرب للغابة، بزحامها وقيمها.

بعد ستة أفلام على تنويعة «الجميلة والوحش»، جاء «كوكب القرود» الأوسع أفقا، والأعمق معنى، بتوقيع فرانكلين شافر 1968، حيث تعود سفينة فضاء ضائعة، إلى مكان مجهول، يحكمه القرود.. مملكة طبقية، على غرار ممالك البشر. ينشب صراع بين رواد السفينة والقرود المتطورة، عقليا وجسمانيا، ذلك أنها تفكر، تتكلم، تمتطى ظهور الجياد، وفى النهاية،نكتشف مع ملاحى الفضاء، أنهم فوق كوكب الأرض، بعد أن استولت عليه القرود.. وها هو، نصف تمثال الحرية، غارق فى المياه.

«كوكب القرود» فتح الباب لسلسلة جديدة من أفلام القرود، تختلف عن مجموعة «كنج كونج» لم تعد القضية فردية، تتضمن احتجاجا أخلاقيا على ممارسات البشر، ولكن، أصبحت قضية جماعية، القرود كلهم فى ناحية، والبشر فى ناحية مضادة. عندئذ، تبدو هواجس الحرب الباردة، مع صمود ونهوض القوى الفيتنامية، وتزايد الخسائر الأمريكية، كما لو أنها مظاهر مقلقة لعالم جديد. أخيرا، يأتى «فجر كوكب القرود» بتوقيع مات ريفز، الذى استوعب، واستفاد، من مجموعة الأفلام السابقة، فضلا عن مزيد من حرية إبداع توفره إنجازات التقنية التى لا تتوقف، بالإضافة لرؤيته الخاصة، المعتمدة على سيناريو محكم، منطلق الخيال، بالغ الثراء، شارك فى كتابته سكوت بورنر مع أماندا سيلفر. كلمات الوطن، السلام، الدفاع، حين تتردد، فى المشاهد الأولى، بلغة الإشارة، بين قرود متطورة، داخل غابة يعمها الوئام، منحن، غالبا، إزاء فيلم سياسى، وهذا ما يؤكده «فجر...» هنا، أمة من قرود، معزولة ومنظمة، يقودها «سيزر» ــ القصير ــ وهو الحكيم، الأكثر تطورا، الذى ينطق الكلام بصوت يشوبه الغرابة، يساعده القرد الغيور، المندفع، المؤثر، المتآمر نوعا «كوبا» ــ لاحظ الاسم! ــ وثمة زوجة «سيزر»، العليلة، التى على وشك الوضع.. وسريعا، بظهور كائن بشرى، فجأة، تندلع المخاطر، ومن خلال جمل وعبارات متناثرة، ندرك أن وباء «إنفلونزا القرود» الذى تم تخليقه فى المعامل الأمريكية، قضى على معظم السكان. لم يبق منهم سوى حفنة صغيرة، فى سان فرانسيسكو، بالقرب من مملكة القرود. تحاول هذه الحفنة، الباحثة عن الطاقة، الوصول إلى محطة كهرباء معطوبة، لإصلاحها، كى تمد المدينة الخربة، بالحياة والنور. المجموعة البشرية الصغيرة، تقع فى قبضة القرود، وبينما يرغب «كوبا» فى إبادتهم، يأمر «سيزر» بإطلاق سراحهم ومفضلا السلام، متفهما لاحتياجات بقايا السكان، من البشر.

الفيلم، يحسب له، أنه لا يفاضل بين القرود والبشر، ولا ينتصر لطرف ضد آخر، لكن، يدين بقوة، جنون الرغبة المسعورة فى السلطة، والميل للانتقام، وتصفية الحسابات بالعنف والقتل.. بل يذهب إلى أن ثمة عقلاء، بناة حياة، فى هذا المعسكر وذاك.. المرأة البشرية، الأسيرة، تعالج زوجة «سيزر» التى تتماثل للشفاء.. «سيزر» نفسه، يتعهد بعدم مهاجمة بقايا السكان، بشرط تخليهم عن الأسلحة النارية، مما يثير حفيظة «كوبا»، الطامح إلى السلطة، يؤلب جماهير القرود ـ على الطريقة الشكسبيرية ــ ضد «سيزر» وعلى نحو ما فعله «كاسيوس»، المتآمر، مع يوليوس قيصر.. وبينما يموت قيصر، قتيلا فى المسرحية، لا يزال «سيزر» الفيلم على قيد الحياة، برغم جروحه الغائرة التى سببها له «كوبا». «فجر كوكب القرود» عمل أخاذ، خياله محكم، بل صارم، انطلاقاته تعبر عن واقع، ويحذر، فى محصلته النهائية، من حرب وشيكة، بين القرود والبشر، فكل منهما، يتهيأ إما لمعركة قادمة، أو سلام يعلوه ضباب.. هذا ما سنراه فى الفيلم التالى، الذى بدأ العمل فيه، فعلا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved