الخيار الصعب..الأسد أو البغدادى

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأحد 4 أكتوبر 2015 - 6:20 ص بتوقيت القاهرة

مبدئيا وحتى لا يقوم البعض بتأويل كلامى أقول إننى كتبت فى هذا المكان فى بدايات الثورة السورية يوم ٢٧ مارس ٢٠١١، مقالا بعنوان «جزار سوريا»، خلاصته أن بشار الأسد لا يختلف كثيرا عن زين العابدين بن على أو حسنى مبارك أو أى مستبد آخر، والآن نقول إنه فاقهم إجراما بعد ما شهدناه على أرض الواقع.

وهذا الرأى لم يتغير فى جوهره حتى الآن، فالنظام الذى يقتل مواطنيه بالبراميل المتفجرة لا يستحق الاحترام أو البقاء، لكن فى المقابل فإن الذين يحاولون وراثة هذا النظام المجرم هم أشد إجراما منه، وتلك هى الكارثة التى لم يعد يهم كثيرا من المسئول عنها.

للأسف الشديد غالبية من يتحدثون الآن فى الشأن السورى على المستوى العربى وحتى الدولى ينطلقون من قناعاتهم السياسية والأيديولوجية فقط، رغم أنهم طول الوقت يتباكون على المواطن السورى الغلبان الذى يدفع الثمن قتلا ودمارا ورعبا وتهجيرا فى المنافى المختلفة.

تقول الحقائق على الأرض إن النظام لا يسيطر على أكثر من ٢٥٪ من مساحة سوريا، لكن معظمنا لم ينشغل أو يسأل سؤالا بسيطا وجوهريا هو: من الذى يسيطر على بقية مساحة سوريا؟!.

الأرقام والخرائط تقول إن تنظيم داعش الإرهابى يسيطر على نحو نصف سوريا الآن، وبعده «جبهة النصرة» يعنى تنظيم القاعدة المتطرف، بنحو عشرة فى المئة أو أقل قليلا، وهناك نسبة تتراوح ما بين خمسة إلى عشرة فى المئة تسيطر عليها تنظيمات إسلامية مختلفة، بعضها أقرب إلى جماعة الإخوان.

كان هناك جيش اسمه «الجيش السورى الحر»، يمثل نواة تجمع غالبية أطياف الشعب السورى، ولم يكن فى الأساس قائما على أساس طائفى أو عرقى.

لكن لأسباب كثيرة انهار هذا الجيش، والسبب الأساسى هو التدخلات الخارجية فيه، ومحاولة كل طرف أن يجعله أداة فى يده، والنتيجة أن داعش، اكتسح هذا الجيش خلال الشهور الماضية.

الولايات المتحدة ومعها بعض البلدان العربية حاولت تدريب مجموعة ممن أطلقت عليهم معتدلين، وخصصت ميزانية قدرها نصف مليار دولار، وعلى أرض الواقع انهار هذا البرنامج حينما قامت هذه المجموعة أخيرا بتسليم أسلحتها إلى داعش فى أول احتكاك بينهم.

من المفارقات الكوميدية أن هناك أطرافا عربية حزينة جدا على التدخل الروسى فى سوريا، لمحاربة داعش لكنها لم تكن حزينة حينما تدخلت أمريكا وائتلاف من ستين دولة لمحاربة نفس التنظيم.

أى مستقبل حقيقى فى سوريا لابد ألا يتضمن وجود بشار الأسد وأركان حكمه.. هذا صحيح تماما، لكن علينا أيضا فى المقابل ألا نستبدل بشار بأبى بكر البغدادى ونعطيه سوريا على طبق من فضة وذهب.

الواقع المرير يقول إن المتطرفين والإرهابيين هم الذين سيرثون ما بقى من سوريا.. وبالتالى السؤال إلى كل من يلطمون ويندبون ويولولون هو الآتى:

كيف نسقط بشار الأسد، لكن لا نأتى بالبغدادى، وكيف نتفادى المأزق الليبى حينما أسقطنا القذافى، وفوجئنا بمئة قذافى وربما أكثر جنونا منه.

أحد أكبر المآسى التى نعانى منها فى منطقتنا العربية هى شخصنة كل شىء من الخلافات البسيطة إلى مصائر الأمم، إضافة إلى الأحلام الوردية التى تقول إن حل المشكلة فى سوريا يحتاج إلى دولة علمانية!!. كيف نقيم دولة علمانية بلا علمانيين، بل فى دولة صار معظم مواطنيها إما قتلى أو مهاجرين فى المنافى.

الحل فى سوريا صعب جدا للأسف الشديد، وسوف يبدأ فى التحسن قليلا حينما يدرك كل طرف أنه لا يمتلك أو يحتكر الحقيقة بمفرده، وأن محاولة فرض نموذج واحد على دولة تسكنها أعراق وطوائف وأديان متعددة أمر مستحيل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved