لماذا تفسد الكرة علاقات الشعوب..؟ 1

حسن المستكاوي
حسن المستكاوي

آخر تحديث: الخميس 4 نوفمبر 2010 - 9:53 ص بتوقيت القاهرة

 لماذا يمكن أن تفسد مباريات كرة القدم ما بين الشعوب؟
أرجو أن تقرأ تلك المحاولة للإجابة، وأن تفكر فيما تقرأه بدقة وبتمعن، وأن تتعامل مع الإجابة على أنها اجتهاد وليست قرارا.

نقطة البداية: سببان لا ثالث لهما يدفعان كل شعوب العالم الآن كلها، أكرر كلها، للخروج بالملايين إلى الشوارع ونحن فى بداية العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين.. السبب الأول هو انتصارات فرق كرة القدم، والسبب الثانى الذى يدفع الملايين من الشعوب للخروج إلى الشوارع هو تأييد واقع سياسى أو لرفض واقع سياسى. وآخر المشاهد «الثورة البرتقالية» فى أوروبا الشرقية، وما تبعها من حركات شعبية فى مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتى.

بالنسبة للسبب الأول، أوضحنا مرارا أن كرة القدم باتت البديل المشروع للحرب.. وهى كذلك بعد أن جرب العالم ويلات الحروب. كما أن كرة القدم ساحة مشروعة للصراع الحضارى.. وساحة منظورة ومشهودة.. شأن الألعاب الرياضية كلها، وهى ألعاب لا تعنى العرب كلهم، إلا أن الدورات الأوليمبية تشهد هذا الصراع العام والمتسع بين الأمم فى شتى اللعبات.. وكرة القدم تحديدا باتت مساحة ملاعبها ساحات للمبارزات الحضارية عند بعض الشعوب، لأن نتائجها سريعة، ولأن هناك هذا الظن فى أنها تجرى تحت ظل العدالة، ولذلك حين يخيب هذا الظن تسرع الجماهير بتفسير وتبرير الهزيمة بالحكم والتحكيم.

الألعاب الرياضية، وساحات كرة القدم تجسد الصراع الخفى، والمبارزة الحية على صفة التميز عند الشعوب التى تجد فوزها فى مباراة دلالة على انتصارها الحضارى العام.. ونفس الظاهرة تجدها عند شعوب أوروبية حققت تقدما مذهلا فى مناحى الحياة المختلفة، حيث تمسك بنتيجة تلك المبارزة المشروعة وتحتفى وتحتفل بمظاهرات فرح صاخبة يخرج فيها الملايين إلى الشوارع.. فنتيجة المبارزة مشهودة فى أركان المعمورة، وهى نتيجة سريعة، وغير متاحة فى مبارزات الفن والثقافة والسينما والأغنية والتاريخ والجغرافيا.. فأنت تستطيع أن تقول: «أملك أفضل موقع جغرافى، وهو يستطيع أن يدعى بذلك أيضا».. وحتى فى السياسة هناك مبارزات مخفية، لكن فى السياسة وجهات نظر ومصالح، بينما فى نتائج مباريات كرة القدم لا توجد وجهات نظر ولاتوجد مصالح.

يبقى أن كرة القدم لعبة عند العالم الأول وحدودها الملعب المغطى بالعشب الأخضر الجميل.. الاحتفاء من جانب الملايين للفوز بمباراة أو ببطولة لا يزيد على الزمن الذى يلى الانتصار، ولا يتجاوز إلى تسفيه وتحقير الآخر وتذكيره بالهزيمة حتى لو مضت عليها سنوات.. حيث يهتم هذا العالم بظاهر الرياضة ومفهومها، ففى النهاية هى شعوب تمارس نشاطا إنسانيا يعكس القدرة البشرية، ويحتفى بانتصار الإنسان فى صراعه مع الزمن والمسافة والثقل.. وهم لا يخلطون الأمور، فلا يلقون بهموم السياسة والاقتصاد فى ملاعب الرياضة، ولا يلقون بموروثات قديمة وتاريخية فى مدرجات كرة القدم..!

جزء من تلك الأزمة يتعلق بظاهرة عميقة أخرى، وهى أن الأندية أصبحت أوطانا عند جماهيرها وشعوبها.. أى شعوب وأى جماهير وكيف؟
هذا سؤال آخر.. يستحق إجابة أخرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved