الطرب المصرى.. النهر يتدفق

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: السبت 4 نوفمبر 2017 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

عمار يا مصر.. هذه البلد فعلا ولّادة، ومواهبها لا تنضب، خصوصا فى الفنون. يرحل العمالقة، لكن يأتى بعدهم من يكمل المسيرة، وبالتالى فإن ترحمنا الدائم على الماضى باعتباره زمنا للفن الجميل قياسا بهذه الأيام، ليس صحيحا بنسبة مائة بالمائة.
قناعتى بهذه الفكرة زادت ليلتى الأربعاء والخميس الماضيين بالمسرح الكبير بدار الأوبرا، خلال افتتاح مهرجان الموسيقى العربية فى دورته رقم ٢٦ الذى يقدم 84 مطربا فى 45 حفلا متنوعا.
ليلة الافتتاح تم تكريم ٢٤ من رواد الموسيقى والغناء والتوزيع والكلمات فى مصر والوطن العربى بإهدائهم أوسكار المهرجان وشهادات التقدير، وهم أسماء كل من المطرب الراحل محسن فاروق الذى تم إهداء هذه الدورة بأكملها إلى روحه. واسم طلال المداح وعلى إسماعيل وعماد عبدالحليم وعازف الكمان محمود الجرشة والشاعر سيد حجاب وراجح داود وإيناس جوهر والموسيقار العراقى الكبير د. سالم عبدالكريم والموسيقار السورى رعد خلف والتونسى الشاب أمين بوحافة وتامر كروان وعازف الأكورديون فاروق محمد حسن وعازف الدرامز وجدى فؤاد وعازف البيانو عمرو سليم وعازف العود مدثر أبوالوفا والشاعر عزت الجندى والموسيقار محمود طلعت والمايسترو هانى فرحات والموزع والماسيترو وليد فايد وعازفى الإيقاع إيهاب عباس ومحسن الصواف والباحث الدكتور عبدالله الكردى، وفنان الخط العربى أحمد عبدالفتاح.
لماذا أذكر هذه الأسماء تفصيلا؟! لأن هؤلاء قدموا الكثير للموسيقى العربية، وعدد كبير منهم غير معروف للجمهور، مقارنة بنجوم الغناء، رغم أن إسهاماتهم جلية ومقدرة للمتخصص فى هذا المجال. هؤلاء بعضهم رحل عن عالمنا وتركوا لنا ثروة فنية ضخمة، وبعضهم فضل أن يستريح قليلا، وبعضهم ما يزال يبدع ويتألق.
فى اليوم التالى الخميس، كانت ليلة فى حب عبدالحليم حافظ بمناسبة مرور ٤٠ عاما على وفاته. فى هذه الليلة غنى ثمانية من المطربين المصريين الشباب روائع للعندليب هم: محمد متولى وهانى عامر وأحمد عفت ومحمد الخولى ومى حسن وحنان عصام ونهى حافظ ومى الجبيلى بقيادة الموسيقار الدكتور محمد الموجى.
الثمانية تألقوا بصورة لافتة جعلت الحضور يقف لهم مشجعا ومحييا، ومنهم الوزراء الأربعة الذين حضروا، وهم حلمى النمنم وخالد عبدالعزيز وطارق قابيل وخالد فهمى.
إذًا المواهب تتجدد ونهر العطاء والإبداع لا يتوقف، المهم أن تكون هناك هيئات ومؤسسات تكتشف هؤلاء أولا، وترعاهم ثانيا، وتوفر لهم فرص الاستمرار والتمرن والتعلم والتألق ثالثا. وأظن أن دار الأوبرا تحت قيادة الدكتور إيناس عبدالدايم لم تقصر فى هذا الأمر.. وبالمناسبة فإن عبدالدايم عزفت على «الصوليست» أو الفلوت فى حفل الافتتاح.
فى نفس هذه الليلة وبعد نهاية أغنيات العندليب، ألقى الشاعر الكبير جمال بخيت قصيدتين، الاولى بعنوان «مسحراتى العرب» والثانية بعنوان «فلسطينى» حيث تصادف أن يوم الخميس هو الذكرى المئوية لوعد بلفور المشئوم، الذى أعطى من لا يملك وهو بريطانيا دولة فلسطينية إلى من لا يستحق وهو الكيان الصهيونى.
صفق الحاضرون طويلا لبخيت، واستمر التصفيق لفلسطين حينما جاءت الفقرة الثابتة الأساسية للمطرب الفلسطينى الشاب محمد عساف. الجمهور خصوصا الأشقاء الفلسطينيين منهم طالبوا عساف أكثر من مرة أن يغنى أغنية «على الكوفية». وفى كل مرة كان يرد: « آسف ليست فى البرنامج»، فقالت له إحدى الحاضرات: «نرجوك لقد جئنا من غزة خصيصا لكى نستمع إليك، وإلى أغانيك الفلسطينية». الحمد لله أن الوعى المصرى لا يزال سليما، فيما يتعلق بفلسطين، فالغالبية تنحاز لفطرتها، ولا تنشغل كثيرا بالاتفاقات والتوازنات والمواءمات بل والاختلال الرهيب فى موازين القوى. 
تحية كبيرة لكل المشرفين والقائمين على أمر الأوبرا وإدارة مهرجان الموسيقى العربية، الذى يقدم برهانا دائما على أن الناس تنحاز إلى الأفضل والأجود والأرقى، والدليل على ذلك أن عدد زوار موقع دار الأوبرا بلغ ٩٫٣ مليون زائر خلال ٤٨ ساعة فقط من إتاحة الحجز الإلكترونى لتذاكر حفلات مهرجان الموسيقى العربية، كما قال لى محمد منير مدير إدارة الإعلام والتوثيق والنشر بدار الأوبرا. منهم ٣ ملايين زائر لصفحة حفلة الموسيقار الكبير عمر خيرت. هذه الإحصائية، هى أفضل دليل على ان روح مصر وقلبها وفكرها بخير، رغم كل الشوائب على السطح. وأن مهرجان الموسيقى يبرهن على أنه حائط الصد ضد سوق الفن الهابط كما قالت د. جيهان مرسى مديرة المهرجان.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved