2014 - 2015: الواقع أكثر خيالًا

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الإثنين 5 يناير 2015 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

هذه المرّة أُصيب التكهّن بالكساد. أشكاله جميعا لم تُعطَ الفرصة التى كانت تُعطاها مع انتقالات سابقة من عام إلى عام. التنجيم لم يحتلّ الرقعة التى كان يحتلّها فى التداول. الخيال العلميّ لم يظهر له أثر. الخيال الإبداعيّ المبنيّ على وقائع صلبة ضمر بدوره.

الواقع كان، هذه المرّة، أقوى من الخيال. الكارثة كارثيّة بما لا يحوجها إلى أدبها أو إلى علمها أو إلى خرافتها. الرؤيويّ الذى تستدرجه إلى حياتنا مناسبة رأس السنة بات يقيم فى حياتنا إيّاها، طاردا الخيال، بل طاردا الرؤيويّة.

بلدان ومجتمعات طارت، أو أنّها فى مهبّ الطيران، كما فى روايات «الواقعيّة السحريّة». سوريّة، العراق، اليمن، ليبيا... إنّها تعود القهقرى إلى ما قبل النشأة والتشكّل، بعد الانتدابات ثمّ بعد الاستقلالات. و«داعش» الذى هو عميل هذا التحوّل التاريخىّ يجرح نرجسيّتنا بما يكفى.

الدين، وهو ما ربطه مؤرّخون ومستشرقون، بـ «الشرق»، ليست أحواله كما كانت لعقود مديدة. هناك افتراقات غير مسبوقة فى فهمه وفى تصوير دوره. وهى وإن لم تتحوّل بعد إلى نظريّات متماسكة، فإنّها باتت تتّسع لزفرات حادّة، ولشكوك وطعون لا تزال حبيسة التواصل الاجتماعيّ ووسائطه.

النفط الذى تشكّلت بموجبه، منذ أربعين عاما، اقتصادات المنطقة، والكثير من سياستها وثقافتها، وأغلب إعلامها، ربّما بدأ زمنه يأفل.

وثمّة «تفاصيل» فى السياسة لا تقلّ إدهاشا شهدها العام 2014 وستعيش معنا فى العام الجديد. فإيران، على ما يبدو، لم تعد «دولة مارقة». إنّها دولة قلبها سحر «الساحر» دولة محترمة. وهى، ومعها سوريّة الأسد، صارتا حصنين لـ «مكافحة الإرهاب»! تركيّا، كذلك، لم تعد البلد المختبر للزواج العتيد بين الإسلام والديمقراطيّة. رئيس جمهوريّتها رجب طيّب أردوغان ينأى بها، بخطى كبرى، عن محاولة عقيمة كهذه.

لكنْ ربّما كان الأهمّ على المدى البعيد تلك الهجرات الضخمة، لا سيّما فى سوريّة والعراق، التى تسبّبت بها قسوة الاستبداد والاحتراب الأهليّ. المشهد مؤلم بطبيعة الحال، لكنّ المشرّدين، هذه المرّة، يختلفون عن قوافل سابقة عرفها التهجير والاقتلاع فى منطقتنا. فهم يفيضون بالملايين داخل بلدانهم وفى بلدان الجوار. لقد خسروا كلّ شيء فى المكان الذى كانوا فيه ولم يكسبوا فى الأمكنة التى أتوا إليها سوى العدائيّة والاضطهاد والاصطدام بوقائع معقّدة لا تقلّ عن تعقيد الوقائع فى البلدان التى صدروا عنها. لقد خسروا فى زمن لم يعد يوجد فيه من يملك شيئا يعطيهم إيّاه.

النازح العراقيّ متمرّس بالنزوح. فالكرديّ سبق أن تعرّض لهذه التجربة، وكذلك الشيعيّ، وقبلهما المسيحىّ الأشورىّ. أمّا اليوم فباتت التجربة شاملة. وهى، فى سوريّة، تضرب السنّة العرب أساسا من دون أن تستثنى أحدا... لقد عُمّمت الحالة الفلسطينيّة وضُخّمت، هى التى بدت لنا ذات مرّة استثنائيّة لا تتكرّر، أو أنّ الغرباء الآتين من خلف البحار هم وحدهم الذين يرتكبونها.

هذه الموجة الهائلة قد تفضى إلى فوضى عارمة، وقد تؤدّى إلى خلطات سكّانيّة جديدة ليس هناك اليوم من يملك صورة عنها. لكنّ السؤال الذى يفرض نفسه، فيما يواجهنا هذا التحوّل الهيوليّ: لماذا استطاعت إسرائيل التى تشكّلَ سكّانها من أطراف الأرض الواسعة، هم الذين ينقسمون إلى خمسة أخماس متمايزة، أن تتجنّب هذا الخيار المُرّ؟

لنتواضع قليلا، ونحاول الإجابة عن هذا السؤال الحارق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved