سوريا بين مؤتمر سوتشى وحرب عفرين

ناصيف حتى
ناصيف حتى

آخر تحديث: الإثنين 5 فبراير 2018 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

يبدو المشهد السورى الراهن وكأنه يحمل مسارين بينهما تناقض حاد، والأمر ليس كذلك بالضرورة: حرب عفرين حرب قائمة ومفتوحة على التصعيد من جهة، والتسوية السياسية التى حملها البيان الصادر عن مؤتمر سوتشى من خلال تأليف لجنة دستورية وهدفها صياغة إصلاح دستورى يشكل المدخل الضرورى للتسوية السياسية فى سوريا من جهة أخرى.

حرب عفرين ــ باختصار ــ هى حرب تركيا مع حلفائها من المعارضة السورية ضد المعارضة الكردية التى رفعت شعار بناء مشروع كردستان الغربية على الحدود التركية. وبالطبع يعتبر ذلك من منظور تركيا مساسا بأمنها القومى وحاملا لتداعيات قوية وخطيرة على الوضع التركى الداخلى وخاصة فى ما يتعلق بمستقبل العلاقات مع المكون الكردى فى تركيا.

إيران وروسيا بالطبع وقفتا إلى جانب تركيا فى هذا الأمر. ولإيران خاصية باعتبار أن المشكلة الكردية تطال مصالحها غير المباشرة، ثم المباشرة لاحقا فيما لو سمح بإقامة كيان كردى فى سوريا أو قيام كردستان أخرى، شبه مستقلة فى الواقع وليس بالضرورة فى القانون، مشابهة لتلك التى هى قائمة فى العراق. بالنسبة لروسيا كان الموقف أيضا واضحا، فاعتبر الأكراد أن روسيا طعنتهم فى الصميم، ووقفت روسيا كليا ضمن لعبة مقايضات المصالح فى إطار التحالف الثلاثى الروسى التركى الإيرانى، وقفت روسيا كليا وبشكل واضح إلى جانب تركيا معطية ــ بشكل أو بآخر ــ الضوء الأخضر لتركيا للقيام بعملياتها العسكرية من خلال طمأنتها بشأن الموقف السورى الرسمى الفعلى.

***

روسيا فى هذا الأمر قادرة على أن تحقق أكثر من هدف. أولا، تدفع الأكراد نحو التحالف مع النظام السورى أو نحو الاقتراب من النظام السورى. ثانيا، تدق إسفينا كبيرا فى إطار المعارضة السورية بين الأكراد والقوى المعارضة والمؤيدة لتركيا. كما أنها فى نهاية الأمر، وهى تعلم صعوبة انتصار الهدف الكردى، ستدفع الأكراد نحو إعادة النظر بهدفهم وسقفهم العالى فى كردستان الغربية نحو القبول بنوع من الإدارة الذاتية وهو ما تطرحه روسيا أساسا.

الشىء المثير للاهتمام أن الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجى لتركيا فى إطار الحلف الأطلسى، وقفت مع الأكراد ضد تركيا كما فعلت مجمل الدول الغربية فى هذا المجال، وهو الأمر الذى دفع تركيا أكثر للتفاهم مع موسكو ومع طهران. الرهان الأمريكى كان واضحا. الولايات المتحدة تريد أن تلعب بالورقة الكردية؛ لأن الأكراد ــ دون شك ــ سيشكلون النواة الصلبة للقوة العسكرية التى تريد الولايات المتحدة بناءها وبلورتها فى سوريا.

كذلك الأمر بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية الجديدة فى سوريا، التى أعلن عنها وزير الخارجية الأمريكية السيد تيلرسون، وهى استراتيجية ثلاثية الأبعاد، قوامها أن الولايات المتحدة ستبقى على قوة عسكرية بشكل زمنى مفتوح فى سوريا لمحاربة داعش، وبالطبع المنظمات الإرهابية، وأيضا لمحاربة النظام السورى الذى تعتبره ورقة للاستراتيجية الإيرانية فى المنطقة، وثالثا، لمحاربة إيران وتحديدا لاحتواء وإضعاف النفوذ الإيرانى فى كل من سوريا والعراق بشكل خاص.

هذه الاستراتيجية الأمريكية ذات الأبعاد الثلاث لا بد أن تزيد من حدة التوتر ورفع منسوب الصدام فى سوريا فى الفترة القادمة دون شك. كما أنها تعكس تغير التحالفات على الأرض السورية وأن التفاهمات التى تقوم على مصالح حيوية لجميع الأطراف تبقى أهم بكثير من التحالفات المبنية على مواقف استراتيجية عامة، كما هى الحال بين الدول الغربية والولايات المتحدة من جهة وتركيا من جهة أخرى فى إطار الحلف الأطلسى.

السياسة على أرض الواقع وتحديد المصالح الحيوية وكيفية الدفاع عنها هى التى تحدد التحالفات. هذا الأمر هو الذى أدى إلى تقوية وتعزيز التحالف الثلاثى الناشئ وهو التحالف الروسى الإيرانى التركى. نلاحظ ذلك وبالوقت ذاته نلاحظ أن هنالك خلافات تبقى أساسية، وقد تظهر فى المدى القريب بشكل أوضح، خاصة بين روسيا وإيران فى ما يتعلق بالسياسات الإيرانية جنوبى غرب دمشق وخاصة قرب الحدود الإسرائيلية. حيث إن الموقف الروسى يدخل هنا فى إطار تفاهمات تشمل إلى جانب روسيا الولايات المتحدة والدول العربية الحليفة لها وإسرائيل لمنع حصول تمدد إيرانى نحو الحدود السورية الإسرائيلية، وكذلك لمنع إقامة قواعد إيرانية أو قواعد لحلفاء إيران جنوبى غرب دمشق أو حول مدينة دمشق لمد النفوذ الإيرانى المباشر وبالوكالة نحو الجنوب السورى.

كان هذا هو المسار الأول، مسار الحرب، أما المسار الثانى فهو مسار مؤتمر سوتشى الذى صاغه المهندس الروسى بالتعاون مع حليفيه: التركى والإيرانى. ورتب أمر البيان الرئاسى من خلال إدماج النقاط الرئيسية فى مواقف الأمم المتحدة، وعبر ممثلها فى الملف السورى دى ميستورا، لتكون جزءا من لغة البيان النهائى الصادر عن مؤتمر سوتشى. روسيا أكدت فى ذلك البيان الذى كما قيل تمت صياغته والإاتفاق عليه فى الغرف المغلقة قبل الدخول إلى حفلة المفاوضات بين ممثلى النظام وممثلى المعارضة الذين شاركوا.

بيان سوتشى دعا إلى تأليف لجنة دستورية بغية صياغة إصلاح دستورى يساهم فى التسوية السياسية التى ترعاها الأمم المتحدة.

بالطبع، هذا كلام لا يرضى المعارضة، إذ تعتبر أن المطلوب هو أن يكون هنالك ضمانات أممية مباشرة ومظلة أممية، من الأمم المتحدة، مباشرة تتولى الإشراف ووضع شروط وقواعد المرحلة الانتقالية فى بيئة تكون محايدة للولوج إلى الحل السياسى. وهو الأمر غير القائم، والذى يبدو حتى الآن أن النظام السورى بالطبع لن يرضى به. فى هذا المجال أيضا، يبدو الخلاف الإيرانى الروسى واضحا؛ على الرغم من أن إيران توافق على هذا البيان، لكن يبدو أن الكل يحاول أن يلعب لعبة الوقت لتحقيق بعض الأهداف على الأرض حتى يستطيع أن يترجم البيان عندما يحين الأمر لترجمته إلى سياسة واقعية بشكل يخدم مصالحه.

***

الروس أفهموا بوسائل عديدة جماعات المعارضة أن عليهم القبول بما قد يعتبرونه أقل من طموحاتهم فى ما يتعلق بإطلاق مسار العملية السياسية لأن النظام إذا رضى ــ أو متى رضى ودخل إلى المفاوضات ــ فان أبسط التغيير الذى تدعو إليه هذه العملية الدستورية سيؤدى إلى إطاحة النظام، وبالتالى هو ما يخدم مصالح المعارضة من حيث إحداث التغيير المطلوب فى سوريا. لكن هذا الكلام حتى الآن يبدو أنه غير مقنع لقطاعات واسعة من المعارضة السورية.

المثير للاهتمام أيضا أن عشية سوتشى أطلقت المجموعة الغربية ومعها أصدقاؤها العرب، أو ما صار يعرف بمجموعة باريس، لأنها اجتمعت فى باريس، أطلقت هذه المجموعة التى ضمت إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية كلا من بريطانيا وفرنسا والمملكة العربية السعودية والأردن ــ مجموعة أفكار تتعلق بالتسوية فى سوريا.

من أهم هذه الأفكار التأكيد على عدد من المبادئ فى الإصلاح الدستورى التى هدفها تقليص وتقييد صلاحيات الرئيس، مقابل تعزيز صلاحيات رئيس الوزراء، ورسم حدود السلطة بين الرئيس ورئيس الوزراء، وتعزيز وتحديد ــ بشكل واضح ــ صلاحيات البرلمان وتأسيس مجلس آخر يكون ذا تمثيل إقليمى، أو نوعا من مجلس إدارات محلية. هدف كل ذلك تقييد صلاحيات الرئيس ومنع العودة فى المشروع الإصلاحى إلى رئيس ذى صلاحيات مطلقة.

وتجدر الملاحظة إلى أن موسكو كانت قد قدمت منذ عام تحديدا ــ فى يناير ٢٠١٧ ــ مشروع مسودة دستور لسوريا الجديدة، وضعته أمام السوريين لبحثه باعتباره مجرد أفكار. كان أيضا قد اتجه نحو تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية وتعزيز صلاحيات رئيس الوزراء وحماية صلاحياته من أى تعدٍ دستورى أو آخر من قبل الرئيس وتعزيز الهيئة البرلمانية من مجلسين الأول على المستوى الوطنى، والآخر على المستوى الإقليمى. والهدف من جميع هذه الأفكار هو بناء دولة مؤسسات ومنع قيام الرئيس المطلق أو الرئاسة المطلقة من خلال تقييدها دستوريا بأشكال مختلفة.

***

والجدير بالذكر أن جميع هذه الأفكار ــ سواء الغربية العربية كما أشرنا، أو الروسية التى قدمت فى الماضى أو الإعلان عن إصلاح دستورى، كما جاء فى بيان سوتشى وليس تغييرا دستوريا كما تتحدث المعارضة ــ ستكون على الطاولة أمام جميع الفرقاء فى المرحلة القادمة، الفرقاء الداخليين، ولكن الأكثر أهمية الفرقاء الخارجيين ذوى العلاقات الخاصة كل مع طرف داخلى. ففيما لو تم التوافق على الشأن الإصلاحى، بقى أن تحدد خريطة طريق لهذا الأمر. لكننا نعتقد أننا ما زلنا بعيدين عن ذلك باعتبار أن اللعبة ما زالت فى بداياتها ونحن نشهد ازدياد الصراع الأمريكى العربى من جهة مع إيران من جهة أخرى، وسيكون مجاله الرئيسى ــ دون شك ــ سوريا فى المرحلة القادمة، فمن سيسيطر على المعابر بين العراق وسوريا سيسيطر على المشرق العربى. الولايات المتحدة فى مواجهتها الاستراتيجية مع إيران تعتبر أن قلب المعركة هى فى المشرق العربى، لكن موقفها فى معركة عفرين، وهو الأمر الذى استفز تركيا ودفعها اكثر للاقتراب من موسكو وطهران ــ ستكون له دون شك تداعيات فى لعبة الكراسى الموسيقية وخلط الأوراق فيما تستمر المأساة السورية مع التداعيات الخطيرة التى تحملها على سوريا وعلى الأوضاع فى دول الجوار.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved