حالة حصار مسلح

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الأربعاء 5 مارس 2014 - 5:40 ص بتوقيت القاهرة

أول تحديات الرئيس القادم أن ينظر فى أزمات الحدود المتفاقمة.

فى كل اتجاه حالة حصار مسلح تضغط بقسوة دون قدرة كافية على مواجهة تحدياتها.

الحدود الليبية العنوان الأول لتهريب شحنات السلاح المتقدم إلى مصر من مخلفات قوات العقيد «معمر القذافى» ومخازن حلف «الناتو».

بطبائع التحديات فإن الأولوية لتخفيض مستويات التهريب فى مواجهة حرب ضارية مع الإرهاب لكن الأزمة أخطر من أن تلخص فى ضرورات وقف الشحنات المسلحة.

استراتيجيات جنوب المتوسط عنوانها الرئيسى ليبيا والحضور على مسارحها هو حضور آخر فى الاعتبارات الدولية على الجانب الأوروبى.

هناك عمالة مصرية كثيفة ومصالح اقتصادية مشتركة واجب حمايتها مسألة دولة. وهناك تداخل سكانى على الحدود فأبناء قبائل مرسى مطروح مصريون وليبيون فى الوقت نفسه، وهذه مسألة أمن قومى.

بنى غازى العاصمة الليبية الثانية هواها مصرى لكنها شهدت استهدافا بشعا لأقباط مصريين، كأن مكان المجزرة نفسه مقصود.

الاستهداف طائفى لكن خلفياته سياسية.

يصعب نزع المجزرة التى جرت بحق سبعة من الأقباط المصريين والنيل من قبطى ثامن عن سياق الصراع بين مشروع الدولة وتغول الميليشيات.

الدولة تقوضت وما تبقى منها مهلهل ومشروع استعادتها يتوقف إلى حد كبير على قدرة مصر أن تقف على قدميها مجددا وتستعيد هيبتها فى محيطها.

أحد الرهانات الرئيسية للميليشيات، وبعضها تكفيرى وطائفى، إرهاب التحولات المصرية والحيلولة دون أن تنهض بدور مستقبلى فى المعادلات الليبية.

الهدف السياسى ذاته ماثل فى استهداف دبلوماسيين مصريين وسائقى حافلات تنقل البضائع ما بين الحدود.

هناك ملابسات تخص كل حادثة على حدة لكن ما يجمع بينها إبعاد مصر عن الصراعات الداخلية على صورة المستقبل التى وصلت بعد مجزرة الأقباط المصريين إلى حرق البرلمان الليبى نفسه.

الحدود السودانية العنوان الثانى لتهريب شحنات السلاح إلى مصر، ورغم التعاون الأمنى المشترك فإنها لم تتوقف نظرا لطبيعة الجغرافيا.

أيا ما كان نظام الحكم فإن العلاقات مع السودان مسألة حياة أو موت وقضية أمن قومى على درجة عالية من الخطورة.

السودانيون لا يستريحون عادة إلى توصيف العلاقات بين البلدين الشقيقين على هذا النحو، وأيا ما كان ضيق السودانى بما يعتبره تعاليا عليه فإنه لا يطيق أن يلحق ضرر بمصر وأهلها والأزمات معه بطبيعتها مؤقتة وعابرة.

فى الحالة السودانية الراهنة فإن نظام حكمها المأزوم ينحو إلى منازعات كلامية من حين لآخر حول حلايب وشلاتين كلما أراد أن يثبت أمام معارضيه قوته وممانعته فى أية تنازلات.

وقد أفضت المعالجات المصرية شبه البدائية لأزمة سد النهضة الإثيوبى إلى خلخلة الموقف السودانى بصورة مقلقة.

الحدود مع غزة عنوان ثالث على تهريب السلاح عبر الأنفاق والاتهامات تلاحق «حماس» بالضلوع فى العنف والإرهاب بسيناء ودعم منظمات تكفيرية تسليحيا ولوجستيا.

بحسب شهادات لقيادات فلسطينية تقيم فى غزة فإن «حماس» غيرت بوصلتها بصعود جماعات الإسلام السياسى إلى السلطة فى دول عربية أهمها مصر من مشروع المقاومة إلى خيار الخلافة وتورطت إلى حدود بعيدة فى الشأن الداخلى المصرى وتنكرت للحليف السورى السابق.

بحسب الشهادات ذاتها فإن شعبية «حماس» تراجعت بفداحة فى غزة وتقلص نفوذها السياسى فى الضفة الغربية. بشكل أو آخر فإنها لا تقدر على مواجهة أية استحقاقات انتخابية وبقاء الوضع على ما هو عليه فى غزة يبدو خيارا لا تملك غيره.

فى الأزمة الفلسطينية تتصادم القاهرة مع «حماس» لكنها تدرك أن غزة لا تلخصها حركة والخيارات أمامها حرجة وضيقة، فأى صدام عسكرى محتمل يقوض أية رهانات عربية على دور مصرى جديد.

وعلى الحدود قوات إسرائيلية تراقب وأجهزتها الاستخباراتية حاضرة فى المشهد المصرى المحتقن.

الإسرائيلى يتابع أدق التفاصيل، فهو فى وضع لا يسمح له بالتراخى المستهتر لما يجرى فى مصر ويراهن بدرجة ما على تدهور محتمل لقدرة جيشها غير أنه لا يبدو مستعدا لارتكاب أية حماقة تكلفه ما حصل عليه من ترتيبات استراتيجية وفق اتفاقيتى «كامب ديفيد».

فى التصور الأمريكى فإن تسوية القضية الفلسطينية بالاشتراطات التى تفرضها موازين القوة الراهنة تفتح المجال واسعا أمام إسرائيل للدخول فى التفاعلات الإقليمية لاعبا رئيسيا فيها.

التسوية أولوية ملحة على الإدارة الأمريكية على ما يتبدى من تحركات وزير خارجيتها «جون كيرى» وتصريحات الرئيس «باراك أوباما» نفسه بأن إدارته قد لا تستطيع أن تدافع عن إسرائيل إذا لم تدخل فى عملية سلام جديدة. فى ضغط الإدارة الأمريكية توجه على تخفيض مستويات اهتماماتها بالشرق الأوسط وصداعه إلى الشرق الأسيوى وتحدياته، فهناك القوى الكبرى البازغة التى تهدد نفوذها فى المعادلات الدولية. غير أن الإسرائيلى لا يرى ما يدفعه لتقديم أية تنازلات، فالانقسام يشل الساحة الفلسطينية، «حماس» فقدت سمعتها كحركة مقاومة، و«فتح» أضعفها فسادها، و«الجهاد» تأخذ مساحة عن «حماس» فى حدود ما تسمح به بمرجعيتها الإسلامية، و«الجبهة الشعبية» تحاول أن تنتهج خطا مستقلا لكن التجريف الفلسطينى يشل حركتها.. فضلا عن أن العالم العربى فى حالة تصدع تقارب الانهيار.

فى المساجلة الأمريكية الإسرائيلية تكاد مصر أن تغيب عن ملف يتعلق بمستقبلها والموقف على حدودها.

فى كل أزمات الحدود هناك ثلاثة خطوط متداخلة. أولها مخاطر الأمن القومى فى لحظة انكشاف استراتيجى مصرى وقضية تهريب السلاح أولويته.. وثانيها تحديات ما وراء الحدود وصلتها مباشرة بالمستقبل فما يجرى فى ليبيا والسودان وغزة وفلسطين التاريخية شأن مصرى مباشر لا يصح تجاهله أو غض الطرف عنه.. وثالثها الحسابات الدولية والإقليمية على الحدود وخلفها، فأزمات الحدود متداخلة واللاعبون الكبار حاضرون على مسارحها.

إيران مثالا للحسابات المعقدة والمربكة فى السياسة والسلاح.

تحاول بقدر ما تستطيع عرقلة الرهان الأمريكى على تسوية القضية الفلسطينية وفق الموازين الحالية وتمد جسورها مع «حماس» رغم أية مواقف سلبية للأخيرة من حلفائها فى المنطقة. ترى فرصتها فى لعب دور إقليمى أكثر جوهرية عند التوصل لتفاهمات أخيرة مع الإدارة الأمريكية معلقة على مواقف ثلاثة أطراف، أن يظل التركى على تراجعه، والمصرى على تصدعه، والإسرائيلى على تعنته. غير أنها بحسب معلومات موثوقة تسعى إلى فتح قنوات حوار مع القاهرة والإشارات تتصاعد عبر ممثليها السياسيين والدبلوماسيين إلى العالم العربى، فلا توجد سياسة يعتد بها فى عالمنا المعاصر ترهن أوراقها فى سلة واحدة.

المثير هنا أن الذين يتدفقون على القاهرة بمهام تتعلق بطبيعة عملهم المهنى أو مصالح الدول التى ينتمون إليها تنصب أحاديثهم على تحولاتها الداخلية دون أفقها الإقليمى والدولى بينما يجرى التوسع فى أحاديث مسهبة عن الاستراتيجيات التى تحكم اللعبة كلها عند زيارات مماثلة لبلدان عربية أخرى.

ما تحتاجه الرئاسة المقبلة أن تتجنب مزالق الحركة دون تبصر فوق ألغام الحدود وما خلفها وأن تنظر بعناية إلى الفرص الإقليمية والدولية الماثلة أمامها.

غير أن كل شيء يتوقف فى النهاية على حلحلة الأزمات الداخلية وتأسيس دولة قوية وعصرية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved