أيام اختلال المعايير

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الثلاثاء 5 مايو 2015 - 9:35 ص بتوقيت القاهرة

 أيامنا هذه هى أيام اختلال مفزع لمعايير الحكم على الأمور فى المجال العام فى مصر وفى بلاد العرب، هى أيام سطوة السلطة والثروة ووعود الحماية والعوائد والإفادة من الشبكات الريعية نظير تأييد الحكام أو خوفا من التهديد بالتعقب والقمع والعقاب حال المعارضة، هى أيام جنون العنف الرسمى فى بعض المجتمعات العربية ووحشية ودموية عصابات الإرهاب فى مجتمعات أخرى وتلاقى الجنون الرسمى مع الوحشية والدموية الإرهابية فى طائفة ثالثة من المجتمعات، هى أيام تغييب الحقائق والمعلومات عن المواطن وأيام ممارسة الاستعلاء على حرياته الشخصية والمدنية والسياسية، بل وامتهان كرامته الإنسانية.

دون اختلال معايير الحكم على الأمور، ما كان لمؤسسات وأجهزة الدولة المصرية ولنخب الجهاز الإدارى أن تتجاهل المظالم التى تراكمها انتهاكات الحقوق والحريات وتداعياتها المجتمعية الخطيرة ــ وضعية الاستقطاب الحاد التى تلغى فرص الاستقرار والتنمية والتقدم، أو أن تقلل من أهمية الأخبار المتواترة عن جرائم التعذيب وتكرر إساءة استغلال المنصب العام من قبل بعض عناصر الأجهزة الأمنية ــ وهى إما أن تعمق من آلام وجراح بعض القطاعات الشعبية التى تقف إزاء منظومة الحكم / السلطة فى خانات المعارضة أو الرفض أو العداء وإما أن تدفع ببعض القطاعات الشعبية الأخرى التى كانت فى مواقع التأييد والدعم إلى إعادة النظر والحساب والتقييم وربما الابتعاد فى صمت أو فى ضجيج، وإما أن تتعامل مع إخفاقات مؤسسات وأجهزة الدولة فى إدارتها للشأن العام وفى ترابطاتها مع الوطن ــ من التأجيل المستمر للانتخابات البرلمانية إلى صندل الفوسفات ــ على نحو يغيب قيم الرقابة والمساءلة والمحاسبة ويخلق لدى الرأى العام انطباعا راسخا مؤداه أن إرادة الحكم/ السلطة لا تريد لهذه القيم أن تتجذر فى واقعنا المصرى ولا تريد إلا استعادة حكم الفرد وفرض ملامح السلطوية الجديدة.

دون سطوة السلطة والثروة والتحالف بينهما وثنائيات الاستتباع للحكم فى مقابل الحماية والعوائد التى تؤسس لها وتديرها وتمولها فى شبكات ريعية تقليدية وحديثة، ما كان للإعلام المصرى أن يقبل أن تتحول الحرب على اليمن إلى مسكوت عنه، وأن تغيب تفاصيل الدور العسكرى للقوات المسلحة المصرية، وأن يتم التعتيم على الخسائر البشرية والمادية التى أنزلتها آلات حرب عربية بشعب عربى فقير وتناولتها بموضوعية الكثير من الصحف ووسائل الإعلام العالمية.

دون سطوة السلطة والثروة على الإعلام العربى والذى تحولت الكثير من صحفه وإذاعاته وقنواته التليفزيونية إلى كيانات تابعة للممول الخليجى، الحكومى والخاص، ما كان للنقاش العام فى بلاد العرب أن يتورط فى الاستعلاء الصريح على دماء الضحايا الأبرياء للحرب على اليمن وعلى الخسائر التى لا يملك لا المجتمع المأزوم بفعل غياب السلم الأهلى والتمويل الإقليمى للطائفيات والمذهبيات المدمرة ولا الدولة الوطنية بمؤسساتها وأجهزتها المتراجعة/ العاجزة القدرة الفعلية على تعويضها.

دون تغييب للحقائق وللمعلومات عن المواطن فى مصر وفى عموم بلاد العرب ودون امتهان لكرامة الناس وحقوقهم وحرياتهم، ما كنا لنجد نقاشنا العام تخترقه التبريرات الفاسدة للعنف الرسمى ولقمع الحكومات (طوائف مبررى الاستبداد والسلطوية وحكم الفرد التى تسيطر على أغلبية الصحف والإذاعات والقنوات التليفزيونية)، وتنزع إنسانيته استراتيجيات التحايل على المظالم والانتهاكات وجرائم التعذيب وتجاهل الضحايا، وتلغى قيمه الأخلاقية والتزامه بشروط المعرفة والعلم والعقل وحب الحياة تواتر التبريرات الفاسدة للإرهاب وللعنف أو تواطؤ من لا يريدون إيقاف التوظيف المتهافت للدين فى تبرير جرائم عصابات الإرهاب كداعش وغيرها.

دون اختلال معايير الحكم على الأمور، ما كان للسلطويات القديمة والجديدة أن تعيد سيطرتها وتفرض سطوتها، سطوة السلطة والثروة وشبكات الريع، على شعوب العرب وعلى مصائرها التى يبدو أن ارتباطها العضوى بالاستبداد والتخلف والتطرف والإرهاب لن يتراجع قريبا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved