كيف ينظر الأتراك لمذابح الأرمن؟


إنجى نوحى

آخر تحديث: الثلاثاء 5 مايو 2015 - 9:30 ص بتوقيت القاهرة

أصبح الحديث والنقاش حول الوقائع الدامية التى وقعت للأرمن خلال الحرب العالمية الأولى جائزا ومتاحا بعض الشىء فى الفترة الأخيرة فى تركيا. إلا أنه ورغم التوتر الشديد بين الأحزاب التركية خصوصا فى ظل المناخ التنافسى بسبب الانتخابات البرلمانية ومحاولات المعارضة فى تركيا لاستغلال أى أزمة سواء داخل تركيا أو خارجها كسلاح تستخدمه فى وجه الحزب الحاكم «العدالة والتنمية»، إلا أن مسألة الأرمن بالذات ليست من الأمور التى تقبل المساومة، فهى بالنسبة للأتراك مسألة قومية.

وردا على مشروع القرار الأوروبى للاعتراف بـ«الإبادة الجماعية» التى ارتكبها الأتراك ضد الأرمن عام 1915، قام أكبر ثلاثة أحزاب تركية (حزب العدالة والتنمية، حزب الشعب الجمهورى، وحزب الحركة القومية) بالتصريح فى بيان مشترك صادر عن مجلس الشعب التركى يدينون فيه مشروع القرار الأوروبى الذى يصر على تجاهل ما عايشته جميع شعوب الإمبراطورية العثمانية من مآسٍ والآلام فى الوقت الذى يعظمون فيه من القضية الأرمنية وحدها، متهمين البرلمان الأوروبى بمخالفته للقانون منصبا نفسه محل المحاكم الدولية والمؤرخين.

وفى الحديث الدائر فى الأوساط التركية حول الادعاءات الأرمنية بمذابح الأتراك ضدهم، يرى الكثيرون أن القتل والعنف أثناء الحرب العالمية الأولى لم يكن من قبل الأتراك فقط بل كان من قبل الجميع بما فيهم الأرمن أنفسهم والدول الأوروبية التى تحاول الضغط على تركيا للاعتراف بما ارتكبته الأخيرة من جرائم تجاه الأرمن، ويدافع هؤلاء عن تلك الاتهامات أنه ليس من العدل أن تقوم تركيا بدفع الفاتورة وحدها دون الدول الأخرى التى ارتكبت من الجرائم والفظائع ما لا يمكن إغفاله. فى حين ينظر الكثيرون أيضا من الأتراك للأرمن كخونة لدولتهم العثمانية ويرون أن ما حدث من قتل وعنف لم يكن إلا رد فعل على ما ارتكبه الأرمن الغادرين تجاههم، مشيرين إلى أن قضية الأرمن بالنسبة للدول الأوروبية ما هى إلا ورقة ضغط تستخدمها ضد تركيا عند اللزوم، ويضيفون أن الاعتراف التركى بـ«الإبادة الجماعية» لا يمثل للأرمن إلا بداية لقائمة طويلة من المطالبات المتعنتة والتى ستكون حلا للكثير من المشكلات الاقتصادية التى تواجهها الحكومة الأرمنية منذ فترة طويلة. فى حين يخشى البعض أيضا من مجرد التصريح عن مسئولية الدولة التركية عما حدث للأرمن لما يمكن أن يواجهوه من عواقب لذلك.

***

وفى ظل الأزمات الاقتصادية التى تعانى منها أرمنيا منذ انشائها بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، تدرك تركيا جيدا أن أرمنيا لن تكتفى بالاعتراف اللفظى من جانب تركيا بالإبادة الجماعية بل ستبدأ فى المطالبة بتعويضات مالية تعويضا عن المجازر المرتكبة بحقهم، بالإضافة للمطالبة بالأراضى التركية التى تم تهجير الأرمن منها.

ولهذا ترفض تركيا الاعتراف بأى شكل من الأشكال باتهامات الأرمن بقيامهم بجرائم تطهير عرقى تجاههم أثناء الحرب العالمية الأولى، بل وتعتبر الحديث حول الاعتراف بالمذبحة الأرمنية من الخطوط الحمراء، ومع هذا تحاول تركيا بذل الجهود لحل الأزمة التى طالما سببت صداعا لها.

«الأزمة الأرمينية لن تحل عن طريق المؤرخين بل عن طريق الاقتصاديين»، هذا ما عبرت به إحدى الكاتبات الأتراك من المعارضة ضمن ردود الأفعال حول ما يجب على تركيا فعله بعد قيام البرلمان الأوروبى والعديد من الدول بالاعتراف بالإبادة الجماعية تجاه الأرمن وممارستهم الضغوطات على تركيا للاعتراف بذلك.

تركيا لديها العديد من الأقسام المتخصصة فى الشأن الأرمنى بمراكز الأبحاث المختلفة ومؤسسات المجتمع المدنى مما يؤكد حجم الاهتمام التركى بالقضية الأرمنية ومدى تأثيرها على سياستها الخارجية، فمراكز الأبحاث تلك وغيرها من جمعيات المجتمع المدنى تحاول بشتى الطرق الدبلوماسية والاجتماعية التوصل لحل لمشكلة الأرمن المزمنة عن طريق إقامة الحفلات المشتركة والتبادل الطلابى والزيارات المختلفة وتعزيز العلاقات الشعبية على مستوى البلدين. ويؤكد الكثيرون من المهتمين بالقضية الأرمنية على أهمية الحوار بين الطرفين فى سبيل التوصل لحلول مشتركة ترضى الجانبين.

إلا أن ظاهر الحال يشير إلى القصور الشديد فى السياسة المتبعة من قبل الطرفين التركى والأرمنى، فلا يبدو أن كلا من الطرفين يربح كثيرا بالتمسك بموقفه تجاه القضية، فأرمنيا تعانى من مشاكل اقتصادية ضخمة وأيضا من علاقات متوترة مع جيرانها إيران وأذربيجان وجورجيا، وكذلك الأمر بالنسبة لتركيا التى عانت أيضا من الأزمة الأرمنية سواء من قبل الجماعات الأرمنية الإرهابية كـ«أصالة» أو الاستغلال الدولى للقضية الأرمنية كورقة ضغط ضد تركيا عند الحاجة.

***

أخيرا لا أعتقد أن الخلاف التركى – الأرمنى سينتهى على المدى القريب. فحتى لو حدث تصالح بين الحكومتين التركية والأرمنية لا يبدو ذلك كافيا لحل الأزمة خصوصا بالنسبة للشعب الأرمنى. فكما تعبر «إليف شافاق» الكاتبة التركية، فى روايتها لقيطة أسطنبول والتى تحكى فيها عن عائلتين إحداهما أرمنية والأخرى تركية كيف أن الأرمن حريصون كل الحرص على توريث الكره لأحفادهم تجاه الأتراك حتى تبقى قضيتهم حية ولا يتم دثرها بمرور الزمان ونسيان الجرائم التى ارتكبت بحقهم. يؤكد على هذا أنه على الرغم من مرور مائة عام على تلك الوقائع مازال الطفل الأرمنى يولد ومعه الإيمان بالقضية الأرمنية وتخيل المعاناة التى قاساها أجداده على يد العثمانيين الأتراك كما لو أنه عايشها بنفسه. والأمر لا يختلف كثيرا بالنسبة للشعب التركى، ليبقى لكل منهما روايته الخاصة للتاريخ.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved