سمارة
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 5 مايو 2023 - 8:30 م
بتوقيت القاهرة
محمود إسماعيل، فنان مثير للجدل من خلال تواجده فى الحياة الفنية لسنوات طويلة، وكانت حياته غريبة مثل الشخصيات التى كان يكتب عنها أو يجسدها على الشاشة، حيث اختفى لأكثر من خمسة عشر عاما، وقيل إنه قضاها فى السجن مدانا فى عقوبات لا نعرفها، وعاد بعد ما أصابته الشيخوخة، ليواصل عمله فى السينما مرة أخرى، والغريب أنه قبل اختفائه اتجه إلى الإخراج السينمائى لأفلام ألفها وشارك فى إنتاجها وتمثيلها، والكثير منها لم تكن من بطولته أى أنه أصبح صانعا للأفلام، ويمكن تسمية ما فعله فى السينما، بسينما محمود إسماعيل، وقد ابتدع ظاهرة فريدة من نوعها، عندما حرص على نشر المسلسل الإذاعى توحة فى كتاب يقرأه الناس، بعد إذاعة المسلسل، ثم تحول لفيلم سينمائى شارك فى بطولته ولعب دور فجلة، نتحدث عن ذلك بمناسبة فيلم سمارة إخراج حسن الصيفى إنتاج عام 1956 م فهو من أبرز الأعمال الإذاعية التى تحولت للسينما بطولة سميحة أيوب ولعب بطولة الفيلم الفنان محسن سرحان الذى شاركه فى بطولة أفلام عديدة أخرى، والغريب أن محمود إسماعيل نفسه كان يقوم بأدوار البطولة ويعاونه فى ذلك محسن سرحان، ولكن مع الخمسينيات فإن الأخير تصدر البطولات وتراجع محمود إسماعيل للدور أو البطل الثانى محتفظا بدور الرجل الشرير الوغد زعيم العصابة الطامع فى البنات الصغيرات وهو الدور الذى اختاره إسماعيل لنفسه فى عدة أفلام منها عفريت سمارة الذى يعد بمثابة الجزء الثانى من فيلم سمارة، وفى عام 1955 كان الحدث الأساسى فى عالم الدارما الإذاعية هو تمثيلية الساعة الخامسة والربع حيث يأتى الصوت المميز لسميحة أيوب وهى تنطق بدلال سمارة، ولكن لم تكن سمحية أيوب تصلح لبطولة الأفلام فى تلك الفترة رغم نجوميتها فى الإذاعة وكانت زوجة لمحسن سرحان ولم يكن أمام المنتج والمخرج حسن الصيفى إلا إسناد الدور للفنانة تحية كاريوكا، نكتب عن هذا الفيلم لأنه صنع كاركترا خاصا للمرأة التى يقع فى حبها الكثير من الرجال، الشخصية القوية الجميلة الجذابة التى لا تسلم قلبها بسهولة لأى رجل، وقد تكون مزواجة، وكانت مصدرا وإلهاما لاستنساخ شخصيات سينمائية كثيرة مقاربة لها مثل توحة وبائعة الورد والمعلمة، بيد أن سمارة فى هذا الفيلم تقع فى حب ضابط المباحث إلى يتسلل إلى بيت المعلم سلطان متنكرا فى شخصية مجرم هارب من العدالة، والغريب أن سمارة سرعان ما تقع فى حب هذا الضابط رءوف بعد أن غير اسمه، ولقد صدقنا هذا الضابط مثلما فعلت سمارة رغم أن من فتح لها باب الحب هو المعلم سلطان نفسه، إنه رجل غير تقليدى فيما يعرف بالشخصية الشريرة السينمائية فهو ذو سلطة وعنفوان على أفراد عصابته بينما يبدو واهنا ضعيفا للغاية أمام زوجته مثلما فعل فجلة فى فيلم توحة أيضا، أما سمارة فهى أشبه بملكة النحل التى تجعل كل الرجال يذوبون فى هواها من أول نظرة أو لقاء، فالضابط يقع فى حبها ويقرر الزواح منها حتى وهو يخدعها ويمثل عليها الحب، أما زعيم العصابة فسرعان ما يسلم قلبه إليها ويهديها الكثير من العطايا أمام زوجها الذى يعمل مساعدا له فى التهريب.
وتنتهى الأحداث بموت سمارة وهو اختيار ذكى جدا من المؤلف الذى اعتبره أنه صاحب الفيلم باعتبار أن فى عالم الجريمة كثيرا ما يتعاطف المتفرج مع العاشقة التى تموت بين ذراعى حبيبها ويحملها فى المشهد الأخير من الفيلم وهى التى تعود إليه من جديد فى صورة شبح فى الجزء الثانى من الفيلم ولقد صنع محمود إسماعيل من هذه المرأة ضحية لعواطفها، رغم أنها لم تتخل أبدا عن مكاسبها فى التهرب، كما أنها أيضا تتسبب فى سقوط كل أفراد العصابة معها بنهاية الأحداث، وهى المرأة الوحيدة وسط هذا الكم من الرجال، مثلما يكون فى كل خلية ملكة نحل واحدة لا تعرف الحب ولكنها تعرف الإنجاب ومن ثم فإن سمارة المتزوجة قد حرمت فى الفيلم من هذه المكاسب بأن تكون أما واكتفت بدور العاشقة.
أعترف أننى شعرت بأن كلمات سمارة للرجال من حولها مزيفة ومغلفة بنبرة كاذبة حتى مع زوجها الذى أحبته، ورغم هذا فإن الفيلم يظل مليئا بالحيوية وما زال يتمتع بنسبة مشاهدة عالية حتى الآن وهو ما دفعنا للكتابة عنه.