صحفيون لا يعرفون الإنجليزية!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الخميس 5 يوليه 2018 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

قبل أيام ركبت «أتوبيس» مع مجموعة من الزملاء الذين يغطون نشاط إحدى الجهات فى طريقنا لحضور إحدى الفاعليات التى تتضمن كلمات لمتحدثين مصريين وأجانب فى افتتاح مشروع ضخم. السيدة المشرفة سألت عن اسماء الصحفيين الذين يريدون التحدث للمسئولين الأجانب بالإنجليزية؟!.
الإجابة كانت زميلة واحدة فقط، من بين ثلاثين صحفيا تقريبا كانوا موجودين داخل الأتوبيس. ثم انهمك بعضهم فى التندر من الامر ومن أنفسهم بأنهم لا يعرفون الإنجليزية.
وصلنا إلى المكان ودخلنا المؤتمر وكانت الكلمات كلها بالإنجليزية، بما فيها كلمات المتحدثين المصريين، الذين حرص بعضهم على الحديث أيضا باللغة العربية.
كل الأسئلة من الصحفيين الحاضرين كانت موجهة للمتحدثين المصريين فقط وباللغة العربية. لم يسأل أحد سؤالا واحدا بالإنجليزية، بل لم يسأل أحد أى سؤال للضيوف الأجانب ولو باللغة العربية!!.
المفاجأة المذهلة أننى وخلال متابعتى لبعض تغطيات الزملاء للمؤتمر عقب نهايته، لم أجد فيها أى إشارة للمتحدثين الأجانب، كأنهم لم يكونوا موجودين إطلاقا!
قد يسأل البعض ولماذا لا تقول اسم ومكان المؤتمر، حتى نعرف من تقصد؟!.
الإجابة ببساطة لم أفعل ذلك حتى لا أسىء من قريب أو بعيد لزملاء فى المهنة أولا، ثم ــ وهذا ثانيا ــ أن هذا الأمر ليس قاصرا عليهم فقط، لكنه يكاد يكون ظاهرة عامة فى الصحافة المصرية إلا من رحم ربى!!.
عدم إلمام الصحفيين المصريين بالإنجليزية مرض منتشر منذ سنوات طويلة، وللأسف يتفاقم.
وعندما كنت أعمل فى صحيفة البيان الإماراتية، وأسافر كثيرا لتغطية أحداث وفاعليات بالخارج فى أوروبا والصين، كان الزملاء اللبنانيون أكثر إلماما من المصريين بصفة عامة باللغات الأجنبية خصوصا الإنجليزية وأحيانا الفرنسية.
فى السنوات الأخيرة بدأ عدد الدارسين فى الجامعات الأجنبية أو الأقسام الإنجليزية بالجامعات المصرية يتزايد وهذا أمر جيد، لكنه ما يزال ضعيفا مقارنة بالعدد الكبير الذى لا يجيد اللغات الأجنبية.
السؤال المنطقى من وراء كل الحكاية السابعة هو الآتى: كيف يمكن أن نراهن على جيل جديد من الصحفيين، وصحافة مصرية معمقة ومؤثرة، وهو لا يستطيع أن يطالع الصحافة والوسائل الإعلامية العالمية خصوصا فى البلدان المتقدمة؟!.
مهما كانت كفاءة أى صحفى، فإنه ــ مع غياب الإلمام باللغات الأجنبية خصوصا الإنجليزية، سوف تظل أدواته ناقصة.
الصحافة الأجنبية خصوصا الأمريكية والإنجليزية، تذخر بالعديد من القصص والحوارات والتغطيات، بل إن العديد من أخبار المنطقة العربية، صرنا نعرفها من خلال هذه الصحافة التى تتمتع بحريات يحسدها عليها كل صحفيى العالم أجمع.
المأساة الأكبر أن من يتابع الترجمات الكثيرة باللغة العربية للصحافة الإسرائيلية، سيشعر بالحسد والغيرة وأحيانا القهر، من مستوى الحريات الصحفية الموجود لديهم، لكن للموضوعية هناك قيودا كثيرة عندهم فيما يتعلق بمعظم ما يتعلق بالجيش الإسرائيلى.
نعود لجوهر الموضوع ونسأل: وكيف يمكن التغلب على هذه المشكلة؟!
الإجابة هى اقتراح أقدمه إلى نقابة الصحفيين وكل من له صلة بالإعلام المصرى، بعدم قيد أى صحفى أو إعلامى فى النقابة من الآن فصاعدا إلا إذا كان يجيد الإنجليزية إجادة تامة، أو إحدى اللغات الأجنبية، وألا يكون هناك تسامح فى هذا الشرط، وأن تبدأ المؤسسات الاعلامية المختلفة بالتعاون مع النقابة إقامة دورات إجبارية لكل الاعضاء لتقوية وتحسين مستواهم فى اللغات الاجنبية خصوصا الانجليزية.
وقد يسأل سائل: ولماذا لم تتحدث عن ضرورة إجادة الصحفى للغة العربية؟!
الإجابة هى أن إجادة اللغة الغربية يفترض أنها بديهية وأمر مسلم به، لكن للأسف نعرف جميعا أن معظم الصحفيين ــ ومعهم العديد من كبار المسئولين ــ لا يعرفون قواعد اللغة الأم، وبالتالى ضرورة اشتراط اللغة العربية وقواعدها قبل تعيين أى صحفى.
الصحافة المصرية تعانى من أوضاع صعبة كثيرة، أهمها انخفاض الحريات وتراجعها، ثم تحديات الصناعة بسبب ارتفاع أسعار الورق، وانخفاض نسبة الإعلانات.
لكن التحدى الأهم أيضا أن يكون لدينا صحفيون يملكون أدواتهم، وقتها يمكنهم أن يتغلبوا على كل العقبات، ويعيدوا للصحافة المصرية دورها الرائد والطليعى فى المنطقة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved