التعبيرات اللغوية لن تغير الواقع

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 5 أغسطس 2016 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

الحكومة المصرية، ورغم أنها حسمت أمرها فيما يتعلق بالتفاوض مع صندوق النقد الدولى لطلب قرض بقيمة ١٢ مليار دولار، لكنها لا تزال خجولة من مصارحة الشعب بأن الثمن سيكون صعبا ومؤلما، وتفضل لغة اللف والدوران واللعب على الألفاظ والمصطلحات والتعبيرات.

مساء الأربعاء قبل الماضى اجتمع رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى مع رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل وجميع وزراء المجموعة الاقتصادية. وكان أبرز ما جاء فى البيان الفقرة التالية:

«إن الاجتماع خلص إلى أهمية مواصلة الحكومة تنفيذ برنامجها الإصلاحى بكل حسم وإصرار لمواجهة المشكلات الهيكلية التى عانى منها الاقتصاد المصرى خلال السنوات السابقة، والتى أثرت سلبا على معدلات التنمية والاستثمار والتشغيل المنشودة».

إذا كانت الحكومة واضحة فى كلامها وقالت بحضور رئيس الجمهورية أنها ستسير فى الأمر بكل حسم وإصرار، فما الذى يدفعها للدخول فى معارك لحظية ويومية صغيرة مع هذه الصحيفة أو تلك؟! لماذا لا تجرب أن «تدخل فى الموضوع مباشرة»، وأن تتوقف عن سياسة «اللت والعجن» وتتفرغ للاصلاح الحقيقى؟!.

فى الأيام الماضية نشرت بعض الصحف أن الحكومة ستقوم بتعويم الجنيه المصرى أمام الدولار الأمريكى وبقية العملات. لكن مسئولين كثيرين فى الحكومة خرجوا ليقولوا إنها لن تفعل ذلك!. إذا كانت لن تفعل ذلك، فماذا ستفعل؟!. الجميع يعرف أن خطوة تعويم الجنيه سواء كانت جزئية ومتدرجة أو حتى كلية وصادمة ستحدث إن آجلا أو عاجلا، وأنه لا يمكن بالمرة بدء عملية الإصلاح الاقتصادى مع وجود أكثر من سعر للدولار وبفارق يزيد على ثلاثة إلى أربع جنيهات أحيانا.

المنطقى أنه لابد من وجود سعر صرف واحد.. السؤال كيف ستفعل الحكومة ذلك من دون تعويم حتى لو كان جزئيا؟!.

أما أغرب ما تقوله الحكومة فهو أن الصندوق لا يفرض شروطا للإصلاح وإقراض مصر ما تريده من مليارات الدولارات!. يعرف الجميع أن الصندوق ليست مؤسسة خيرية أو صندوقا للزكاة. هو مؤسسة له مجموعة من الشروط والرؤى والوصفات، لا يفرضها على أحد، لكن إذا ذهب « هذا الاحد» وطلب مساعدته، فعليه الالتزام بهذه الشروط التى تختلف قليلا أو كثيرا بين هذه الدولة وتلك حسب الظروف المحلية والاقليمية والدولية.

تقول الحكومة إنها ستطبق هذه الشروط لأنها رغبة مصرية فى الإصلاح وليس استجابة للشروط. حسنا لن نختلف على المسميات والتوصيف، لأن ذلك خلاف فى اللغة.

المهم هو كيفية تطبيق ذلك على أرض الواقع بكفاءة وبصورة صحيحة، وإقناع الشعب أو غالبيته بهذا البرنامج حتى يمر الاقتصاد المصرى من عنق الزجاجة.

قبل أيام أيضا نشرت الزميلة «المصرى اليوم» أن الصندوق طلب تخفيض العمالة بحوالى ٢ مليون موظف. بعدها نفت وزارة المالية هذا الخبر اكثر من مرة. لا أعرف معلومات محددة، لكن أى عملية إصلاح إذا لم تتضمن الاستغناء عن العمالة الزائدة أو إعادة هيكلتها وتدريبها وتأهيلها للاستفادة منها فى مجالات أخرى، فإن عملية الإصلاح سوف تتعثر.

اتمنى أن تتفرغ الحكومة للتفاوض الجاد مع الصندوق، وتحصل على اتفاق جيد لصالح البلد. وأن تبدأ فى إخبار المواطنين بالحقيقة. فإعادة الهيكلة تعنى فى هذا المقام رفع أسعار السلع والخدمات، وتعويم الجنيه سيؤدى إلى نفس الأمر. الخلاصة أن المواطنين لن ينشغلوا بهذه السفسطة اللغوية والمعانى المختلفة لهذا المصطلح او ذاك، فعندما يدفع المواطن فاتورة الكهرباء أو المياه أو الغاز المرتفعة أو تزيد عليه أسعار الوقود المواصلات وغيرها، فلن يفرق معه كثيرا مسمى هذه العملية وهل هى تحريك أم رفع أم إعادة هيكلة.. الذى سوف يشغله وقتها ان الاسعار زادت ومرتبه لايزال كما هو، وربما يكون قد انخفض بسبب التضخم وارتفاع سعر الدولار!!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved